شوف تشوف

الرأيالرئيسية

عبروا في صمت

لا يتعلق المقام بعنوان فيلم مغربي أخرجه حكيم نوري في نهاية التسعينيات، لكنه يتعلق بمضمون الفيلم الذي يسلط الضوء على سنوات الرصاص التي عاشها المغرب في السبعينيات.

لقد اختار لاعبو المنتخب الإيراني لكرة القدم في مونديال قطر التعبير في صمت، عندما امتنعوا عن أداء النشيد الوطني خلال عزفه، تضامنا مع ضحايا الاحتجاجات التي تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ أزيد من شهرين، وضدا على إصرار حكام بلاد فارس على ترويض الشعب بسياط «الحشمة».

ساد صمت رهيب في المدرجات ونابت دموع المشجعين عن قوافي النشيد الوطني الإيراني، وتبين للعالم مدى الشرخ العميق بين الشعب والحكام، حينها ضرب رئيس «الفيفا» كفا بكف ونبه النظام الإيراني إلى خطورة الموقف، وتذكر الرجل شكاوى في درج مكتبه، بسبب منع الإيرانيات من متابعة المباريات في ملاعب إيران التي وضعت عليها لوحة حملت عبارة «خاص بالرجال».

تقاسم رضا جهانبخش، عميد المنتخب الإيراني، معاناة شعبه، وقال في ندوة صحافية جريئة: «إن حكام إيران يملكون جلاليب واسعة، ويضعون على رؤوسهم قبعات تتصدى لشكاوينا، فليس لنا سوى الكرة للتعبير عن رفضنا لسياستهم التي تشدنا إلى الوراء وتدفعهم إلى الواجهة».

أما كارلوس كيروش، مدرب المنتخب الإيراني، فاعتبر موقف اللاعبين حقا مكفولا، لأنه لا يمس بقوانين «الفيفا» وضوابط اللعبة، فالصمت حكمة حين يتعلق الأمر بنشيد وطني يمثل رمز وسيادة وطن مكلوم.

توعد حكام إيران اتحاد الكرة الإيراني، وفي اجتماع طارئ شيطنوا «الفيفا» وأدانوا رئيسه، وطالبوا بخلق كيان رياضي «محتشم»، وتوعدوا بالحساب بعد الإقصاء.

نسي الإيرانيون هزيمة منتخب بلادهم بسداسية، وركزوا على هزائم النظام ذهابا وإيابا في تدبير شأن بلد يحكمه متشددون، ومنتخب يتعايش فيه السنيون والشيعة وغيرهما من العقائد.

نظام العمامات لا يكتفي بمنع النساء من ولوج مدرجات الملاعب، وحظر ممارسة الكرة بأقدام ناعمة، بل يمارس التضييق على لاعبيه المحترفين في الأندية الأوروبية ويتهمهم بـ«الولاء للشيطان الأكبر»، أما وكلاء اللاعبين فمتهمون إلى أن يثبت العكس بـ«الاتجار في البشر».

رغم الحظر المضروب على الملاعب، فإن مباريات المنتخب الإيراني لا تخلو من إطلالة شابات إيرانيات حاسرات الرؤوس وراسمات علم بلدهن على وجوههن النضرة والمبتسمة، ولسان حالهن يقول للمرشد العام: «نحن هنا على غير هدى منك».

المنتخب هو صورة عن إيران غير إيران روحاني ومن سار في ركبه، إيران التي لا يريدها الحكام الذين يحنون إلى زمن الفرس، ويعتقدون أن خصومهم في الملاعب هم ما تبقى من الأمويين.

يؤمن حكام إيران بنظرية تبناها مدربو الكرة، «الهجوم خير وسيلة للدفاع»، لهذا يصرون على حشر خياشيمهم في قضايا بعيدة عنهم، يدعمون حركات انفصالية وينسون الحركات الاحتجاجية التي تخنق أنفاس بلد يحكمه المرشدون العامون بالسوط والفتاوى. وحين يرتكب حواريوهم «الكبائر»، ينصحهم عملاء المرشد بصياغة «رسالة توبة» تكفي لطي ملف الفضيحة. لهؤلاء نقول إذا كان بيتك من زجاج فلا تغير ملابسك الداخلية.

لا أحد ينكر جرعة الحماس التي يضخها النشيد الوطني في وجدان اللاعبين والمشجعين، فعزفه يغني عن إرشادات وتعليمات المدربين والمهيئين الذهنيين، وكلماته تحشد الأقدام وتغني عن مرهم مرونة العضلات. لكن الكثير من الأناشيد الوطنية تحتاج إلى روتوشات تنزع عنها فتيل الحروب ورائحة البارود التي تسكن كلماتها، لأن غالبيتها كتبت بحبر شعراء المعارك وعزفت على أنغام دقات الطبول.

لا أحد ينكر أن لحظة عزف النشيد الوطني تضفي على الملاعب لمسة خشوع، ولحظة امتحان شفوي لبعض اللاعبين الذين يجدون صعوبة في استظهار هذا النشيد، قبل أن تتحول مراسمه إلى قلق يهز أركان حكام يعتبرون الكرة رجسا من عمل الشيطان.

 حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى