عبد الرزاق الإدريسي وخديجة الرياضي.. زواج للضرورة النقابية
ولدت خديجة الرياضي سنة 1960 في عمق تارودانت وتحديدا بمنطقة إغرم، وسط أسرة عاشت فصول المقاومة ضد المستعمر الفرنسي. ومع مطلع فجر الاستقلال رحل الأب إلى فرنسا حيث التحق بجيوش بناة فرنسا وعمال مناجمها، وحين أنهكته الغربة قرر نقل أفراد أسرته الصغيرة إلى الرباط، حيث استقروا في حي يعقوب المنصور الشعبي، وكانت خديجة حينها حديثة الولادة لتبدأ حياة أسرة رودانية مكونة من الأب والأم وشقيقين وثلاث أخوات.
فتحت الفتاة الرودانية عينيها على «القامرة»، وأبانت عن تفوق دراسي ملحوظ، سواء في دراستها الابتدائية بمدرسة «الفتح» أو الثانوية في ثانوية «عمر الخيام» حيث حصلت على شهادة الباكلوريا (شعبة العلوم التجريبية) سنة 1978، لتجتاز مباراة ولوج المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، الذي قضت فيه أربع سنوات وتخرجت منه مهندسة إعلاميات واشتغلت في مديرية الضرائب بوزارة المالية سنة 1983.
في أحد حواراته الصحفية، أوضح النقابي عبد الرزاق الإدريسي، زوج الحقوقية خديجة الرياضي، أن النضال هو القاسم المشترك بينه وخديجة، وفضاء الغليان الطلابي في نهاية السبعينات والثمانينات هو الذي ضخ في علاقتهما دم الحب، إذ تعرف عليها وهي تقف في الجبهة الأولى في صف المتظاهرين داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في إطار تنسيقيات الطلبة القاعديين، ما أهلها لرئاسة جمعية طلبة المعهد الوطني للإحصاء.
كان عبد الرزاق يدرس في المعهد نفسه، رغم أن خديجة كانت تنتمي للفوج الأعلى، إلا أنه تعرض للطرد بسبب غيابه عن المؤسسة لتواجده في مؤتمر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.. حينها اختار التوجه إلى كلية الحقوق وحين تخرج اشتغل في وزارة التعليم العالي، قبل أن يقرر في صيف سنة 1985 الانتقال من العلاقة النضالية إلى العلاقة الزوجية بغرض الإخصاب وتربية الأبناء، بعيدا عن الشعارات التي لطالما حفظها الزوجان عن ظهر قلب. ورغم مرجعيتهما النضالية فقد أصرا على إقامة حفل الزفاف في قصر القباج بالرباط. وحضر الحقوقي عبد الحميد أمين الزفاف، وشاهد الرياضي وعريسها عبد الرزاق لأول مرة وهما يجلسان فوق «العمارية»، وسط الهتافات والزغاريد، دون أن تطولهما هراوات البوليس.. إنها أول تظاهرة سلمية عاشتها خديجة وعبد الرزاق على امتداد حياتهما.. لكن أجندة الزوجين لم تسمح لهما ببرمجة فترة للاستجمام والبحث عن ملاذ سياحي على غرار باقي العرسان، فالاحتقان السياسي دفعهما إلى قطع «شهر العسل» والانضمام إلى الحركات الاحتجاجية التي كان المغرب يشهدها في منتصف الثمانينات.
لم تعتزل خديجة الرياضي النضال حين أصبحت زوجة، بل أسست داخل مديرية الضرائب فرعا للاتحاد المغربي للشغل، وأصبحت قيادية مهتمة بالمرأة العاملة، وفي بيتها تفهم زوجها وأبناؤها الوضع الاعتباري للأم وقرروا التعامل مع غيابها المتكرر عن البيت بليونة، بل إنها كانت تفضل التوجه مباشرة بعد انتهاء عملها من مقر المديرية، إلى مقر إحدى الجمعيات لتدرس النساء دروس محو الأمية.
في بداية الثمانينات انضمت خديجة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفي سنة 2007 انتخبت رئيسة لهذه الجمعية التي تعرف أدق تفاصيلها، وذلك بمباركة من زوجها عبد الرزاق. وساهمت في تأسيس حزب النهج الديمقراطي سنة 1995، لكن ما كان يعاب عليها هو الخلط بين الجانبين الحقوقي والسياسي.. بين الجمعية والنهج.
كان زوجها يحاول حمايتها في كل تظاهرة احتجاجية صاخبة يتم تفريقها بالقوة، بل إنه غالبا ما يتحول إلى ممرض بمجرد عودتهما إلى البيت، حيث يشرع في تضميد الجروح ومسح آثار العدوان، لأنه كان مقتنعا بمبادئ النضال التي شرباها في فترة التكوين بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي.. بل إن ابنهما «منتصر» لم يسلم بدوره من عنف المظاهرات، ونال حصة من الكدمات على رأسه ضريبة على الانتماء لأسرة مناضلة.
لكن ما علاقة «الرياضي» بامرأة لا تعشق الرياضة سوى رياضة المشي والهرولة في التظاهرات الاحتجاجية؟ يؤكد المؤرخون أن الاسم العائلي مشتق من اسم قبيلة «أريض» ضواحي إغرم بإقليم تارودانت، وبالتالي فإن «السبور» بريء من التسمية العائلية لهذه الحقوقية.