عبد الحي الكتاني تحدث مع «البابا» عن حملة متحدة لمواجهة الشيوعية
يونس جنوحي
كان الكتاني يتحدث بنشاط كبير. حيويته، مقارنة مع سنّه، كانت عجيبة. نفس الأمر ينطبق على ذاكرته، فقد كان يقتبس أثناء حديثه، من كل فلسفات العالم. كان يُعلق بصدق على كل شيء، حتى في ما يتعلق بالنقط البسيطة، بالقول: «الحقيقة تشبه الزيت في الماء، تصعد دائما نحو الأعلى».
دخلنا غرفة أخرى مخصصة للضيافة. كانت أبسط بكثير من غرف «الضْيافة» الأخرى التي سبق لي أن عانيت معها. كان الكتاني مُضيفا جيدا، ولديه حس دعابة نادر.
عندما كان ابنهُ يهمس في أذنه على انفراد، طلبَ الكتاني أن يلتزم ضيوفه بقواعد الصداقة والمودة داخل منزله. على سبيل المثال، لم يكن مسموحا بالتدخين.
بعد وجبة الطعام، عُدنا إلى المكتبة. والآن، اتخذت المحادثة بيننا منعطفا موضعيا. وجدتُ أنه كان معاديا للوطنيين بشدة. لقد كان في السابق أشهر علماء القرويين، لكن طلبته، خاضوا إضرابا ضد آرائه الصريحة. علاوة على ذلك، بلغ إلى علمي أن لديه شكوى شخصية ضد أسرة السلطان.
خلال أيام الفوضى، قبل الحماية، حاول أحد إخوته الاستيلاء على العرش بما أن لقبه كان يدل على أنه «شريف»، فقد كان مباشرة أحد أحفاد فاطمة، ابنة الرسول محمد.
فشلت المحاولة، وأُعدم الأخ بقرار من السلطان الحاكم، وأحد أعمام السلطان الحالي. وهكذا تولد نوع من الثأر. عندما طرحتُ عليه السؤال، فإنه لم يُنكره.
من الواضح أن السلطان قد قرن نفسه بقضية الوطنيين. كراهية أسرة الشريف للسلطان، كان من الممكن أن تُترجم إلى معارضة للحركة الوطنية.
ومع ذلك، فإن موقفه كان يتمتع بخلفية فلسفية قوية. يقول:
- «أنا مغربي، وأعرف قومي. أتذكر ما نسيه الكثيرون في خضم الفوضى التي سادت في البلاد قبل أن يتولى الفرنسيون زمام الأمور. كان يتوجب عليّ سنة 1905، أن أخوض رحلة للذهاب إلى الرباط.
اليوم، أذهب في السيارة في بضع ساعات. أما في الماضي فقد كان يتعين تنظيم قافلة، مع حراسة مُسلحة».
والآن انتقل إلى الحديث عن التاريخ، مرة أخرى بسعة اطلاع قليلة. بغض النظر عن الموضوع الذي انتقلنا إليه أثناء إليه المحادثة، فقد كان يتحدث بنبرة تأكيد موسوعية، ولكن دون أي أثر للغرور.
لقد جاملني أكثر مرة، بافتراضه أنني أعرف المواضيع التي كان يناقشها معي، والتي كنت أشعر بعمق، أنني جاهل بها.
بعد ذلك، انتقل إلى الحديث عن زمننا الحالي. لقد سمع أنني كتبتُ في السابق عن روسيا. وأبان لي عن انتقاد كبير للشيوعية، ليس باعتبارها نظرية اقتصادية، وهو جانب نادرا ما كان مهتما به، ولكن بسبب افتقارها إلى «التأسيس الروحي».
أخبرني أنه تحدث مرة إلى البابا عن حملة مسلمة مسيحية متحدة ضد الشيوعية. كاشفا بذلك عن سبب آخر لكراهيته لأعضاء الحركة الوطنية. اتفق على أن أعضاء الحركة الوطنية لم يكونوا هم أنفسهم شيوعيين، ولكن يمكن لهم بسهولة أن يتبنوا أفكار الشيوعية.
كنت لأحتاج كتابا كاملا لتسجيل محادثة أمسية واحدة فقط مع الكتاني. غادرتُ المنزل مترنحا من ثقل مجلدات تاريخ الأدب العربي، التي كانت هدية منه لي. لا أستطيع قراءتها، لكنها ثمينة بالنسبة لي باعتبارها تذكارا دائما لأكثر وليمة فكرية اختبرتها في تجربتي.
لم أتعجب من بُغض الوطنيين للشريف الكتاني. ربما كانوا يخافونه. إن هيبته تفوق هيبتهم بكثير. إن سيطرته الحازمة على أتباعه تعني أن هناك عشرات الآلاف من الأتباع المخلصين، الذين لن يتم إقناعهم أبدا بالانضمام إلى حزب الاستقلال، الذي يهدف إلى ضد جميع المغاربة إليه.
بالنسبة للمسلمين «الأرثودوكس» التقليديين، فإن الكتاني يرقى إلى مصاف القديسين الصالحين، وتأثيره عليهم عميق.