عبث المعارضة
لا يبدو هناك أي أمل في أن تتوقف الطبقة السياسية عن صناعة المهازل السياسية ومشاهد العبث، آخرها التحركات السياسية والبرلمانية لأحزاب المعارضة لتوقيع ملتمس رقابة ضد حكومة سعد الدين العثماني، فلا سياق المواجهة الديبلوماسية التي يخوضها المغرب ضد السلطات الإسبانية مدعومة بالاتحاد الأوربي، ولا سياق الزمن الانتدابي للولاية التشريعية والحكومية المشرفتين على النهاية، يسمحان بهذه «الزرواليات» السياسية التي ستحقق أضرارا بالغة في مشهدنا السياسي وستزيد بلا شك من حجم العزوف عن صناديق الاقتراع.
فقد جرت العادة في الدول العريقة في الديمقراطية أن آليات الرقابة التي يترتب عليها إسقاط الحكومات أو حل البرلمانات، لا يتم اللجوء إليها في الوقت الميت من الولايات التشريعية، يجري ذلك في مستهلها أو منتصفها وبدافع سياسي قوي وفي ظل أزمنة سياسية عادية وليس وقت الأزمات، وحتى حينما كانت المعارضة الحقة في الزمن السياسي النبيل تلجأ لملتمس الرقابة محاولة الإطاحة بالحكومة في مناسبتين تاريخيتين، فقد كانت تختار الزمن والزخم المناسبين لذلك، وعلى سبيل المثال فأول ملتمس 1964 تم اللجوء إليه تم بعد سنة على تعيين حكومة باحنيني من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وأعقب أحداث ما سمي آنذاك بـ”مؤامرة 63″ التي اتهم فيها عدد كبير من قيادات حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بمحاولة قلب النظام والتآمر مع الجزائر ضد المصلحة العليا للبلاد، حيث وقع نواب الحزب، وعلى رأسهم عبد الرحيم بوعبيد والمهدي العلوي ومحمد الحبابي وعبد الواحد الراضي، والمعطي بوعبيد وعبد الحميد القاسمي وعبد القادر الصحراوي.. وآخرون على سحب الثقة من الحكومة.
ونفس الزخم طبع ملتمس 1990 الذي تم تحريكه ضد حكومة عز الدين العراقي بعد إضراب دجنبر 1990 الذي دعت إليه النقابتان، والذي سيعرف مواجهات دموية في فاس وطنجة، حيث قامت السلطة بتدخل عنيف، وستضطر الحكومة إلى القبول بلجنة لتقصي الحقائق شكلها البرلمان قبل أن يتطور الأمر إلى تقديم ملتمس للرقابة بمبادرة من طرف الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ضد الحكومة وللمطالبة بالإصلاحات الدستورية التي دشنت بدستور 1992.
أما اليوم فالسياق مختلف ولا يحتمل أي نوع من السخرية والمعارضة مهلهلة وتعاني من اختناق حاد ومعاركها مصطنعة، فمن سيقتنع بأن حزب التقدم والاشتراكية الذي ركب سفينة كل الحكومات منذ 1998، سيسائل الحكومة الحالية التي قضى بها معظم زمنه السياسي؟
طيلة عشر سنوات عجاف من أداء حكومتي العدالة والتنمية اللتين مررتا أبشع القوانين الضارة بحقوق المواطن، مثل قانون التقاعد وتحرير أسعار المحروقات والعمل بالتعاقد، لم تحرك المعارضة ساكنا، ولم تفكر قط في الرد على الاعتداءات المتكررة على حقوق المواطنين بسحب البساط عن الحكومة، وفي كثير من المحطات التي تخللت ولايتين، فضلت المعارضة لغة الصمت والهروب إلى الأمام لتمرير سياسات وقرارات مجحفة، واليوم تحاول التظاهر عبثا بمظهر الذائد عن المواطن وحقوقه.
الغريب في الأمر أن مكونات المعارضة متأكدة من أن ملتمس الرقابة الذي ستتقدم به مجرد ممارسة للاستهلاك السياسي ولن يؤتي أكله في إسقاط حكومة سعد الدين العثماني، لكنها مصرة على خوض مغامرة دستورية بشكل بشع وكوميدي، ولنفترض أن المعارضة نجحت في الإطاحة بالحكومة وهو هدف بعيد المنال اللهم إلا إذا صوت نواب العدالة والتنمية ضد أنفسهم، فما الحاجة إلى ذلك مادام أن عمر الحكومة مشرف على النهاية بعد المصادقة على مراسيم المواعد الانتخابية ونشرها بالجريدة الرسمية.