لم تعد الرشوة التي يطلبها المسؤولون عينية بل أصبحت تأخذ أشكالا مبتكرة. وهناك مسؤول “قاضي حاجة” في الدار البيضاء أسس جمعية خيرية وصار كلما طلب منه أحد أن يقضي له حاجته يطلب منه أن يتبرع للجمعية الخيرية في سبيل الله، فيتبرعون، كل واحد بما سخاه الله، إذ تبدأ التبرعات من عشرة مليون لتصل مئات الملايين. وطبعا فصاحبنا “يتبرع” هو وعائلته بهذه الأموال الطائلة ويبرر صرفها بالفواتير التي يكفيه أن يدق “بيبان” الشركات التي تبيعها بأسعار تنافسية.
“قاضي حاجة” آخر يشتغل في إطار القانون أسس مكتب محاسبات وكلما توصل رئيس جماعة بتقرير لمجلس الحسابات إلا وقصد مكتب هذا الأخير لكي يغرز له بمعرفته الواسعة بالقانون الأجوبة المناسبة لكل سؤال ويعطيه التبرير الشافي لكل مخالفة، والأجوبة تباع “دقة للنيف”، وهناك الخدمة بعد البيع طبعا.
أما رؤساء المجالس الذين يرغبون في “التبرع” على أصدقائهم وصديقاتهم بأظرفة مالية “نقية” فإنهم يطلبون منهم تأسيس مكتب استشارات ويفوتون لهم ولهن صفقات تكوين الموظفين الجماعيين، وهذه البدعة يفلح فيها مجلس المحمدية ومجلس العيون.
وتبقى تقنية “عاون الفريق” هي الأكثر شيوعا لتبييض الرشوة التي يحصل عليها رؤساء الجماعات والمنتخبون من طرف المقاولين والمستثمرين وطالبي الرخص.
ويحكى أن مقاولا طلب من مبدع الفقيه بنصالح رخصة فطالبه هذا الأخير ب200 مليون رشوة، فما كان من المقاول سوى أن شكاه عند الوالي الذي استدعاه لمكتبه، وعندما دخل مبدع ورأى المقاول جالسا في مكتب الوالي أشار إليه بأصبعه وقال مخاطبا الوالي:
“هاد السيد الله يعمر ليه الدار عاون اتحاد الفقيه بنصالح بميتين مليون”.
فخرج منها مبدع كالشعرة من العجين، إلى حين طبعا، وخرج المقاول بدون رخصة واضطر لدفع 200 مليون في حساب الفريق لكي لا يفقد احترام الوالي.
واستعمال الفرق الكروية المحلية كآلات غسيل لتنظيف أموال الرشوة شيء جاري به العمل منذ سنوات، وفي مدينتي ابن سليمان يوجد اليوم في السجن، بسبب تصرف مفترض في حصة دعم فريق الحسنية أربعة متهمين من أبناء المدينة فيما يتابع ستة في حالة سراح، منهم أعضاء بالمجلس البلدي، واحد منهم يوجد في حالة فرار وهو نائب البدراوي في فترة رئاسته للرجاء ورجله الثاني في شركاته الخاصة.
المتابعون في هذا الملف يدعون أن منحة مائة مليون التي تم توزيعها في ما بينهم تعتبر قرضا أقرضوه النادي من مالهم الخاص، فيما البعض الآخر يقول أنه أدى مهام لم يتوصل مقابلها بأي تعويض وأن ما أخذه يدخل في إطار “الأتعاب”.
أما الشكاية التي حركت القضاء فترى أن القضية كلها اختلاس لأموال عمومية وخيانة للأمانة وتعويض لبعض المستشارين عن خدمات انتخابية من جيوب دافعي الضرائب.
شخصيا أعتقد أن هؤلاء أصابتهم لعنة الحسنية، هذا النادي المظلوم الذي كاد في أكثر من مناسبة أن يصعد للدور الأول بعدما لعب مباراة السد أكثر من بطولة، وفي كل مرة يبيع رئيسه الماتش مبررا ذلك بكون الحسنية إذا صعدت للدور الأول فسيأتي من ينتزعها منه، ففي تلك الثمانينيات كان كبار الجنرالات يستولون على الفرق الصاعدة بالقوة وتصبح ملكا لهم ولعائلاتهم، والد الجنرال الدليمي كان يعتبر اتحاد سيدي قاسم امتدادا لممتلكاته وكان ينزل إلى الملعب لكي يمرمقها مع الحكم إذا صفر لصالح الفريق الخصم.
تأسس فريق حسنية ابن سليمان سنة 1958، وهو امتداد لفريق كان يحمل اسم سبورتينغ بن سليمان، ويتكون غالبيته في فترة الحماية من الفرنسيين، قبل أن يغير جلده.
ظل الفريق أسير دوريات المظاليم وشدت نجوم النادي الرحال إلى فرق المدن المجاورة، إلا أن نقطة التحول في الحسنية وبداية خريف الفريق، بدأت بقرار من إدريس البصري، الذي جعل من مدينة ابن سليمان قلعة حكمه، وقرر ذات يوم إدخال “الضرة” للمدينة حين أصدر قرارا بإلحاق فريق القوات المساعدة بابن سليمان ليقتسم عشق الكرة مع الحسنية.
في هذه الفترة شد العديد من لاعبي حسنية بن سليمان الرحال للفريق الضرة، الذي شرع في تشغيل اللاعبين في ثكنة القوات المساعدة بالمدينة، وكان أبرز الراحلين الحارس العماري الذي كان دعامة للحسنية والنتيجة كانت إفراغ الفريق من نجومه.
غير بعيد عن بن سليمان توجد ثكنة للقوات المساعدة تسمى ثكنة “بئر باعوش” تابعة ترابيا لإقليم سطات، لكن البصري قرر نقله إلى ثكنة بن سليمان، ومنها جاء قرار الترحيل إلى العيون، مع تغيير في الاسم حيث عرضت على الحسن الثاني رحمه الله ثلاثة أسماء اختار منها “شباب المسيرة”. كما أعطيت تعليمات لوضع طائرة عسكرية رهن إشارة الفريق في تنقلاته.
حين تبين للملك أن المنطقة في أمس الحاجة إلى فريق في القسم الأول، استدعى على عجل الكولونيل ماجور الحسين الزموري، بصفته رئيسا للجنة المؤقتة المشرفة على تدبير شؤون الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، كان ذلك صيف سنة 1995، وطلب منه نقل فريق القوات المساعدة من ابن سليمان إلى العيون، تناسلت أسئلة عديدة حول الهدف من وراء هذا القرار الذي فاجأ المتتبعين. قال الملك حين لمس تساؤلات مصادرة في دواخل الكولونيل: “فبنسليمان كاينة فرقة خرى”، وكان يقصد الحسنية.
بدأت الحكاية مع الكولونيل ماجور الحسين الزموري، واستكمل التنفيذ الجنرال حسني بن سليمان، الذي قدم دعما سخيا للفريق، وحرص على تنفيذ التعليمات الملكية لتحقيق انتقال سلس من بنسليمان إلى العيون، سيما أن الفريق أبهر المتتبعين في موسمه الأول حين نافس بقوة على لقب البطولة الوطنية، بل إنه لعب نصف نهائي كأس العرش، وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز باللقب، قبل أن ينتهي به المطاف في قسم الهواة رفقة الحسنية مع اختلاف في التصنيف.
بالرغم من معاناة الحسنية واضطرارها للعب أدوار في الظل إلا أنها أنجبت نجوما سارت بذكرهم الركبان، أبرزهم بوشعيب جبار الرئيس السابق الذي كان نجما للفريق وعميدا له لسنوات، إلى جانب لاعبين آخرين اختاروا السفر خارج بنسليمان وانضموا لفرق الصفوة كي لا يعيشوا حياتهم في الظل، كنور الدين الطنجي والحارس العماري الذي توفي في الملعب، ومراد الزيتوني ويوسف شفيق وعادل حليوات وهشام الرحيلي الذي لعب للوداد وانتهى به المطاف في تشكيلة العاطلين لا يجد ما يقتات به. لكن الحالة الأكثر درامية هي حالة اللاعب مصطفى محروس الذي ولد مع ميلاد الحسنية، وانتقل إلى جمعية سلا ليصنع مجدها، قبل أن يلتحق بالدوري الإماراتي، ليدخل تجربة الاحتراف بالنادي الأهلي لمدة موسمين حقق خلالهما لقب الهداف بـ 24 هدفا، كانت الإمارات يومها تفخر بهذا اللاعب الذي يحمل في قدميه سحر الأطلس، قبل أن ينتهي به المطاف شبه متشرد.
اليوم يوجد خلف القضبان مسيرو الحسنية بتهمة خيانة الأمانة، بعد أن ظل مسيروها السابقون لعقود في حماية البصري.
إنها “لعنة الحسنية” حلت بهم أخيرا.