عام المنجمين
صبري صيدم
ما أن تقترب عقارب الساعة من انتصاف ليل رأس السنة الميلادية، حتى يطل علينا جموع العرافين والمنجمين بتوقعاتهم وأخبارهم، ليجودوا علينا بما يقولون إنه ضرب من ضروب العلم بالغيب، فتفرد لهم صدور الفضائيات العربية في استوديوهات فارهة وعروض مجزية، وكأننا معهم نستعجل الخبر ونقفز ما بعد الزمان والمكان بحثا عن السبق.
وعلى الرغم من عدم اكتراث البعض منا بما يقولون، إلا أن مقاطعتنا لهؤلاء المنجمين وتوقعاتهم ما تلبث أن تنهار مع تحول أخبارهم وتبصراتهم إلى حديث الشارع، ولتفوح تلك الأخبار عبر وسائط التواصل الاجتماعي على اختلافها. ولو أن أحدنا شاء أن يجمع أخبارهم على كثرتها، ليجد أن مجمل هذه التوقعات لا يترك حجرا على حجر، ولا ركنا على ركن، ليصبح الشؤم والحرب والدمار والموت والفقر والجهل والتخلف والاغتيالات والانقلابات، مآل معظم دولنا العربية.
ولعل كثرة الكوارث والنكبات في عالمنا العربي تساهم بشكل واضح في تسهيل مهمة المنجمين، فنشرة إخبارية واحدة على شاشاتنا العربية كفيلة بتشخيص واقعنا، وصياغة قائمة من التوقعات المنسوجة على منوال ما نرى ونسمع.
ولهذا فإن أيا من المنجمين العرب لا يحدثنا عن السويد وفنلندا والنرويج والدانمارك. فلا اغتيالات ولا انقلابات ولا كوارث متوقعة هناك، ولو أنك تابعت أخبار تلك البلدان، لما سهل عليك أن تتوقع أي شيء. وعليه فهم لا يغامرون باللعب بدول الرتابة والهدوء، ويفضلون ساحات الوغى ومواقع العنتريات والشعارات و«الأفلام المحروقة». وعليه سأجرب شخصيا حظي، وأقول إن فنلندا وأيقونتها التقنية شركة «نوكيا» ستعود هذا العام إلى الواجهة، بعد أن أطاحت بها شركات «أبل» الأمريكية و«سامسونغ» الكورية و«هواوي» الصينية، والقائمة تطول من المنافسين الشرسين الذين لا يهدؤون في عالمي الاتصالات والمعلوماتية. ولو طلب مني أحدهم أن «أزيد الشعر بيتا»، فسأقول إن هذا العام سيشهد رحيل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ليس من باب الموقف السلبي منه، وإنما من باب التوقعات فقط. ولو صدقت في ما أقول، فإن حظي سيطيح بكل العرافين والمنجمين، وربما أتحول شخصيا إلى قلب المشهد، لا أن أكون في هامش المتلقين لحفنة التوقعات السنوية. لقد دأب العالم العربي على حزنه وشؤمه، حتى بات الفرح حدثا صعبا حياكته، وبات المنصور مقهورا، والمرفوع مكسورا، والمنصوب مجرورا والساكن معتلا، بصورة تجعل للعرافين سوقا سلسة ورائجة.
ومن تابع نكسات الأمة العربية في كل محطاتها التاريخية، يعرف تماما أن عصور الانكسار كانت تشكل بيئة خصبة لآفات كثيرة، منها اتساع ظاهرة التنجيم خوفا من المجهول. لذلك لا بد من القول لجمهور المتابعين للعرافين، في ليلة رأس السنة في عالمنا العربي، إن تلك الليالي ما هي إلا منصات انكشاف لهمومنا وعثراتنا ونكساتنا، وما سيأتي منها من أحداث ومصائب. فهل يكون العام الجديد عام العرافين… أم عام…؟ أما توقعاتي فسأتابعها بهدوء، لأرى ما إذا كنت قادرا على المنافسة.