شوف تشوف

الرأي

عالم يحلم بالطيران

يونس جنوحي

منظر الطائرة الصغيرة التي سقطت في الطريق العام نواحي مدينة طنجة، وهي تنقل على متن ناقلة إلى مثواها الأخير، كان مثيرا فعلا للفضول وتناقلته العديد من المنصات حول العالم.

المواطن الإسباني الذي كان على متنها وراكبها الوحيد أيضا، متهم بنقل كميات من المخدرات من الشمال إلى إسبانيا. وهي تهمة ثقيلة يتشدد القانون المغربي في عقوبتها لوقف عمليات تهريب المخدرات التي يقوم بها الأجانب فوق التراب المغربي سنويا، ويحاولون مغادرة المغرب عبر المطارات أو الموانئ أو بطرق الهجرة السرية. وتبقى هذه الطريقة، أي استعمال الطائرات السياحية الصغيرة، واحدة من الطرق التي تضع حياة المهرب في خطر، نظرا لصعوبة الأحوال الجوية وعدم قدرة تلك الطائرات الصغيرة على نقل كميات المخدرات، علما أن مدارس تعليم الطيران في العالم توصي بعدم استعمال الطائرات الصغيرة نهائيا في نقل الأغراض والبضائع.

هذه الواقعة تكشف إلى أي حد باتت رياضة عريقة مجهولة تماما سواء في المغرب أو في إسبانيا. ويتعلق الأمر بناد أسس في مدينة طنجة أوائل القرن التاسع عشر، ما بين سنوات 1900 و1907، ويعتبر من أقدم أندية الطيران في العالم. وهذا النادي كان يقيم أنشطة كل يومي سبت وأحد لصالح السياح الأجانب الذين كانوا ينخرطون فيه بعد اقتناء طائرات صغيرة. وهذا يعني أن أعضاء النادي كانوا من أثرياء أوربا.

والمثير أنهم لم يكونوا يأتون من إسبانيا القريبة، بل من بريطانيا بعد ساعات من التحليق فوق البحر وصولا إلى نواحي الغابة الدبلوماسية بطنجة، حيث كانوا يهبطون بطائراتهم الصغيرة نواحي منطقة الرميلات، ويقيمون حفلات صغيرة قبل تزويد طائراتهم بالوقود والعودة مساء إلى بريطانيا.

كان السكان المحليون القدامى، تآلفوا مع منظر الطائرات الصغيرة المخصصة لراكب واحد أو راكبين فقط على الأكثر، وهي تدور فوق رؤوسهم، حيث كانوا يقومون بالتحليق فوق طنجة احتفالا بوصولهم إليها، قبل أن ينزلوا في منطقة معشوشبة في ظل عدم وجود مطار بالمدينة لاستقبالهم. وقد خصصت صحف بريطانية عريقة، مثل «التايمز»، ربورتاجات واستطلاعات صحافية للترويج لأنشطة النادي الذي كان يتخذ من طنجة مقرا لأنشطته الأسبوعية. ولا أحد يعلم اليوم مصير أرشيف النادي وما إن كانت تلك الطائرات التي استعملت في أنشطته لا تزال في متحف أم أنها تنام في ساحة للخردة في مكان ما من العالم.

المثير في علاقة سكان طنجة بالطائرات، أن شابة بريطانية اسمها «آميليا» قامت قبل تاريخ تأسيس النادي، بزيارة إلى المغرب، خلال عهد المولى الحسن الأول، أي قبل 1894، بطائرة صغيرة، وألفت كتابا عن تلك الرحلة اختارت له عنوان «مشاهدات آميليا». والمثير أنها حلقت فوق الصحراء المغربية وكتبت مشاهداتها عن الجنوب المغربي قبل أن تعود بطائرتها إلى طنجة حيث نزلت في فندق بسيط في المدينة القديمة وقضت شتاء كاملا في المغرب، قبل أن تعود أدراجها لتنشر كتابها في لندن عن تلك الرحلة.

اعتقد عدد كبير من هؤلاء المغامرين الذين جربوا التحليق بالطائرات الصغيرة، وصرفوا أموالا طائلة للحصول عليها، أن العالم سوف يقوم بـ «دمقرطة» عملية الطيران، وروجت المجلات العلمية قبل خمسين سنة من اليوم، أن إنسان المستقبل سوف يكون قادرا على الطيران، وأن كل واحد منا سوف تكون لديه طائرة صغيرة في الباحة الخلفية لمنزله.

ما وقع أن الطيران صار أكثر تعقيدا، ولا يزال البشر يتجمدون وهم يحاولون العبور إلى أوربا وأمريكا سرا، عبر التسلل إلى مكان عجلات الطائرات. ولا يزال الملايين من سكان العالم، يحلمون برؤية طائرة عن قرب فما بالك بركوبها.

لا نزال نتزاحم في المواصلات في كل مكان في العالم، ولا يزال التحليق بالطائرات الصغيرة حكرا على الأثرياء وعلى المتهمين بنقل المخدرات. ويبدو اليوم بوضوح أن الذين أسسوا ناديا للطائرات الصغيرة وقاموا بالتحليق فوق رؤوس أجدادنا لسنوات، كانوا يعرفون جيدا كيف يستمتعون بالحياة، قبل حتى أن تظهر «المخدرات» وقوانين الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى