يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير العالم، بما له من آثار كبيرة على مستقبل العمل. في هذه المقالة، سوف نركز على استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الصينية والأمريكية والأوروبية، مع تسليط الضوء على الاختلافات الأخلاقية بينهم والآثار الاقتصادية المترتبة على ذلك.
لنبدأ بالصين، التي أوضحت عزمها على أن تصبح رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي. استثمرت الحكومة الصينية بكثافة في أبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار، وأنشأت نظاما متأقلما مناسبا لشركات التكنولوجيا. ومع ذلك فإن تطور الذكاء الاصطناعي في الصين يرافقه سيطرة حكومية صارمة على التكنولوجيا ومراقبة الساكنة. يثير هذا الموقف مخاوف أخلاقية، بشأن حماية البيانات الشخصية للمواطنين وخصوصيتهم، فضلا عن الشفافية والمساءلة في صنع القرار القائم على فعالية الذكاء الاصطناعي.
وبالمقارنة، فإن أمريكا لديها نهج أكثر ليبرالية في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، مع توجه تسويقي وإلغاء نسبيا للقيود الصارمة. وقد أدى ذلك إلى تركيز صناعة الذكاء الاصطناعي في عدد قليل من الشركات الكبيرة، مثل «Google» و«Facebook»، ومع ذلك يثير تركيز السلطة هذا، مخاوف أخلاقية بشأن المنافسة ومسؤولية اتخاذ القرار القائم على الذكاء الاصطناعي، فضلا عن مخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي للتأثير على مجريات الانتخابات المقبلة، ونشر المعلومات المضللة.
اعتمد الاتحاد الأوروبي طريقا وسيطا، بتوجيه الاهتمام نحو أخلاقية المراقبة وحماية حقوق مواطينها. فلقد اقترحت المفوضية الأوروبية استراتيجية طموحة لتعزيز الذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى تحفيز البحث والابتكار مع التأكيد على حماية الخصوصية، والبيانات الشخصية والشفافية والمساءلة عند صنع القرار.
كما أشرنا لدى كل من أمريكا والصين وأوروبا طموحات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن استراتيجياتها مختلفة تماما. هذا الوضع له آثار اقتصادية كبيرة على الشركات والبلدان التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي.
أخذت الصين زمام المبادرة في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. وضعت السلطات خطط تطوير طويلة الأجل للذكاء الاصطناعي، وتستثمر بكثافة في البحث والتطوير. وقد أدى ذلك إلى نمو قوي في صناعة الذكاء الاصطناعي في الصين، مع ظهور شركات مثل «Tencent» و«Alibaba» و«Baidu» كقادة عالميين في مجال الذكاء الاصطناعي. تتمتع الصين أيضا بميزة البيانات، حيث تمتلك كمية كبيرة من البيانات عن مواطنيها، والتي يمكن استخدامها لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تواجه الصين تحديات أخلاقية وتنظيمية كبيرة، مع الافتقار إلى الشفافية والمساءلة في استخدام الذكاء الاصطناعي.
تمتلك أمريكا السبق في مجال الذكاء الاصطناعي، بفضل وجود عمالقة التكنولوجيا مثل «Google» و«Amazon» و«Facebook» و«Microsoft». لقد استثمرت هذه الشركات بكثافة في الذكاء الاصطناعي، ولديها الرساميل الضخمة لمواصلة القيام بذلك. تتمتع أمريكا أيضا بميزة في الأبحاث والمواهب والكفاءات العالية. ومع ذلك، فإن النهج الأمريكي يحركه منطق السوق ويؤدي إلى عدم التنظيم، مما قد يؤدي إلى التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن المخاوف الأخلاقية بشأن المساءلة والشفافية.
اتبعت أوروبا نهجا مختلفا للذكاء الاصطناعي، مع التركيز على الأخلاق والشفافية والخصوصية. اعتمد الاتحاد الأوروبي استراتيجية طموحة للذكاء الاصطناعي، تهدف إلى تعزيز البحث والابتكار مع التأكيد على حقوق المواطنين. يمكن أن يساعد ذلك في بناء الثقة في الذكاء الاصطناعي، وتخفيف المخاوف الأخلاقية حول استخدام الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، قد يكون لهذا النهج تداعيات اقتصادية سلبية، لأنه قد يبطئ نمو صناعة الذكاء الاصطناعي في أوروبا.
بما أن الذكاء الاصطناعي صار الآن أحد أكثر المجالات التكنولوجية ديناميكية في العالم، المنافسة راهنا في هذا المجال شرسة بين القوى الغربية والآسيوية.
فلقد أعلنت الحكومة الصينية عن استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي منذ سنة 2017، بهدف أن تصبح شركاتها رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. ولتحقيق هذا الهدف، تستثمر الحكومة الصينية بكثافة في البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، مع الاستمرار في تكوين الكفاءات العاملة الماهرة. كما أنشأت الصين مراكز ابتكار في الذكاء الاصطناعي في عدة مدن، بما في ذلك بكين وشنغهاي.
تعد أوروبا أيضا لاعبا كبيرا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تقود شركات مثل «DeepMind» بعضا من أكبر التطورات البحثية في هذا المجال. كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطة طموحة للذكاء الاصطناعي في عام 2018، كجزء من استراتيجيته الرقمية، بهدف تعزيز القدرة التنافسية لأوروبا في هذا المجال.
على الرغم من التقدم الذي أحرزته الصين وأمريكا في مجال الذكاء الاصطناعي، من المهم بالنسبة إلى الأمم الأخرى، ألا تغفل حكومات هذه الدول عن الآثار الأخلاقية والاجتماعية لهذه التكنولوجيا. يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تغيير الطريقة التي نعيش ونعمل بها، ولكن يجب استخدامه بمسؤولية وأخلاقية.
جمال أكاديري