حين سمع صوت الرصاص في سماء الخرطوم، وتوقفت الكرة عن الدوران حول نفسها، تذكرنا بادو الزاكي، المشرف على تدريب المنتخب السوداني، بمساعدة المغربي يوسف فرتوت.
فجأة انزلقت الأمور وتدحرجت في منحنى حرب أهلية، وتاه السودانيون بين مناصر لبرهان ومشجع لحمدان، بعد أن كان فريقا الهلال والمريخ وحدهما القادرين على تقسيم السودانيين إلى فئتين.
طمأننا الزاكي وفرتوت وتبين أنهما ركبا آخر طائرة صوب المغرب، قبل أن يملأ الدخان سماء الخرطوم وأم درمان، فحمدنا الله على سلامتهما. ففي مثل هذه الظروف يمكن لبرهان أن يكون منتخبا للكرة وينافسه غريمه حمدان بمنتخب يقتسم معه قلوب السودانيين.
في الوقت الذي كان فيه السودانيون ينتظرون مواجهة قوية بين الغريمين الهلال والمريخ، استيقظوا فجأة على مواجهة بالرصاص الحي بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، بعد احتدام الخلاف بين قطبي السلطة العسكرية في البلاد.
المدربون المغاربة المعتمدون في دول إفريقية مهددة بالانقلابات، لا ينامون إلا بعد أن يضعوا تحت وسادتهم جوازات السفر، ويضبطون ساعاتهم على مواعد فتح وإغلاق سفارات المملكة، وأحيانا يتم إجلاؤهم وهم لا يملكون إلا جوازا وصفارة وبقايا خطة.
قبل عامين، صادف وجود المنتخب المغربي لكرة القدم في غينيا انقلابا عسكريا استهدف الرئيس، وساد الرعب مقر إقامة المنتخب الوطني، وأصبحت المباراة في خبر كان، فقد كان الرصاص سيد الموقف وتعقب أخبار التمرد هاجس المدرب وحيد. جمع اللاعبون حقائبهم ووضعوا أصابعهم على زناد هواتفهم، فتقاسموا لحظات الرعب في «ستوريات» تحولت إلى مصادر خبر لدى كبريات القنوات العالمية.
نجا لاعبو المنتخب من الاحتجاز وعادوا إلى المغرب سالمين، فيما ظل المدرب وحيد خاليلوزيتش يستعيد شريط حرب البوسنة التي نجا فيها من موت محقق، وقال لأحد الإداريين إنه حمل السلاح دفاعا عن بني جلدته في البوسنة، لكنه حمله بشكل خاطئ، فأصيب برصاصة في إحدى كليتيه ما زال يعاني من مضاعفاتها.
الرجل الذي حمل السلاح بشكل معكوس أصبح مدربا للمنتخب، وكتب له أن يعيش ساعات تحت رحمة الرصاص، في جحيم بالعاصمة الغينية، وحين عاد إلى المغرب وضع خطة بشكل معكوس أيضا.
ما أكثر العالقين حين تعدهم، فقد عاش العضو الجامعي السابق محمد مفيد أهوال الانقلاب، حين عينه الاتحاد الإفريقي لكرة القدم مندوبا لمباراة في نواكشوط شهر دجنبر 1984، عندما أطاح انقلاب عسكري بالرئيس الموريتاني محمد خونا ولد هيدالة، دبره صديقه العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع. قضى مفيد ساعات في الجحيم، قبل أن يتبين له أن التوسل للانقلابيين لا يفيد.
في سيناريو مماثل، قدر للحكم الدولي عبد العالي الناصري أن يقضي ساعات رفقة السلاح والقمر في ركن بفندق باب البحر بطرابلس، يوم الغارة الأمريكية على ليبيا في 15 أبريل 1986، لم تنفعه صفارته في إشعار باقي نزلاء الفندق بسيل القنابل التي تساقطت على المدينة، ولم تجد البطاقة الحمراء في ردع الغارة، وفوض أمره لله، قبل أن تنتشله السفارة من المغارة.
حين تبددت غيمة القلق في ليبيا، أرسلت جامعة الكرة طاقمي تحكيم، لإعطاء انطلاقة جديدة للبطولة في هذا البلد. كان بوشعيب لحرش وهشام التيازي على رأس الطاقمين، وفجأة تعرض الفندق لغارة من إحدى الميليشيات، فاضطر ستة حكام مغاربة إلى قضاء ساعات الرعب في غرفة واحدة. في اليوم الموالي، زار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي الليبي، حكامنا في الفندق الذي يقيمون فيه، وقال لهم إن الوضع تحت السيطرة جهزوا صفاراتكم وراياتكم.
غالبا ما يبدأ الانقلاب العسكري بطلقات رصاص وينتهي بهدنة، لكن الأكثر رعبا هو الانقلاب على القيم والمبادئ.
حسن البصري