يونس جنوحي
مصممة أزياء بريطانية خلقت الحدث في بريطانيا بعيدا عن عالم القُماش والسجاد الأحمر. كاثرين هامنت تخلصت من وسام رفيع سبق لها أن حصلت عليه أخيرا، ورمته في سلة القمامة، احتجاجا على الموقف البريطاني مما يحدث في غزة.
بريطانيا التي شهدت شوارع مُدنها مظاهرات تُندد بالمجازر التي يتعرض لها سكان غزة، لا يتفق سياسيوها مع نبض الشارع الذي أوصلهم إلى السلطة، وفضلوا «التقارب» مع الموقف الأمريكي الداعم للعمليات العسكرية الإسرائيلية.
هناك فئة أخرى تعيش واقعا إنسانيا مريرا، وصل بدوره إلى المنظمات الإنسانية، ويتعلق الأمر بواقع أهالي «البشتون»، المقيمين في الحدود الباكستانية الأفغانية، والذين تأثروا كثيرا بتداعيات 11 شتنبر والحرب الأمريكية في المنطقة خلال السنوات العشرين الأخيرة.
لكن قبل ذلك، عانت هذه الطائفة كثيرا منذ الاستعمار البريطاني قبل قرابة قرن، حتى أن آخر التقارير التي تطرقت لمعاناتهم جاء فيها أن «إرث الاستعمار البريطاني أثر تأثيرا عميقا على كيفية النظر إلى «البشتون» داخل باكستان وخارجها».
هذه القبائل عُرف عنها تاريخيا خوض حملات مقاومة عنيفة ضد الاستعمار البريطاني، وكانت سببا في اندلاع حرب بين بريطانيا وأفغانستان. وفي الأدب البريطاني، والكتابات الاستعمارية، ترسخت صورة نمطية عن هذه القبيلة، مفادها أن أفرادها مُتمردون دائما على السلطة ويعيشون حياة مضطربة في الخلاء ولا يخضعون لأي سلطة. فيما التقارير الحقوقية التي تطرقت للوضع الإنساني لـ «البشتون» خلال السنوات العشرين الأخيرة، أي بالتزامن مع الحرب الأمريكية في المنطقة، كلها تؤكد أنهم مُضطهدون لأسباب عرقية صِرفة.
هذه التقارير أشارت إلى أن الإعلام الباكستاني رسخ هذه الصورة عن «البشتون» لدى مواطنيه، عندما صورهم في بعض الأعمال التلفزية والسينمائية، على أنهم تُجار مخدرات ومُتعاطفون مع حركة طالبان. بينما واقع الأمر أن هذه الأقليات تعيش واقعا اقتصاديا عصيبا بسبب توالي سنوات الجفاف وقلة الموارد، وغياب برامج حكومية لإدماجهم في المجتمع. ولأنهم مُقيمون في منطقة حدودية، ازداد وضعهم الأمني هشاشة، خصوصا مع انتشار عصابات تجارة المخدرات والتهريب، وشبكات تمويل حركة طالبان.
الاستعمار البريطاني صنع مأساتهم، لكن انتشار مسلسلات تلفزيونية تحظى بشعبية كبيرة في باكستان، وسخريتها من هذه القبيلة ولكنة أهاليها وترويج نكات مسيئة لأفرادها، زاد من تعميق مأساة ساكني المنطقة الحدودية، وصعب من إمكانية اندماجهم في المجتمع الباكستاني، والأفغاني على حد سواء.
في المقابل، ظهرت حركة «تاهفوز» للدفاع عن حقوق هذه الأقليات، وجل أعضائها من السكان الأصليين، والذين أخذوا على عاتقهم التعريف دوليا بمعاناة «البشتون» ومأساتهم الإنسانية. تأسست هذه الحركة سنة 2014، على يد طلاب جامعيين، وسرعان ما التحق بها شباب متحمسون لتغيير الواقع الذي عاشت هذه القبيلة في ظلامه لعقود طويلة منذ الاستعمار البريطاني للمنطقة.
بريطانيا والولايات المتحدة لا تزالان موضوع انتقاد كبير عندما يتعلق الأمر بالحرب على الإرهاب التي انطلقت منذ أحداث 11 شتنبر 2001، خصوصا وأن حرب العراق كانت ملامحها تلوح في الأفق قبل هذه الأحداث. وعندما اشتبكت الخيوط، دُمرت العراق ثم أفغانستان، وازدادت حدة الأحداث في الحرب الإسرائيلية، وكلها حروب عانى منها السكان الأصليون، ولا يزالون..
أن تُلقي مصممة أزياء وساما حصلت عليه من حكومة بلادها احتجاجا على ما يقع في غزة، سيُحرك بالتأكيد ضمائر المواطنين الرافضين لما تدعمه حكوماتهم من حروب ضد الأبرياء. كم يلزمنا من مصممة أزياء لكي يستيقظ ضمير العالم من حملات العنصرية التي تُمارس يوميا في أرجاء الأرض؟