«عائشة».. المناضلة التي تزوجت بنحمو الفاخري وعاشت معه الشهرة وماتت حزنا بعد إعدامه
تنظر إليها نساء جيلها، خصوصا من اللواتي عاصرن محاولات أفراد خلايا المقاومة في الدار البيضاء لتهريب السلاح، باعتبارها واحدة من أولى الشابات اللواتي بادرن إلى الانخراط في أعمال كانت تتطلب شجاعة كبيرة لمساعدة المقاومة بالدار البيضاء.
زواجها ببنحمو الفاخري، أحد رموز تلك المقاومة بحي درب غلف، جعل شهرتها تزداد في الأوساط النسائية خلال السنوات الأولى لحصول المغرب على الاستقلال.
يروي بعض الأساتذة الجامعيين المهتمين بتاريخ مدينة الدار البيضاء، كيف أن فكرة أقبرت في مهدها تتعلق بإنصاف بعض الأسماء النسائية ممن طالهن النسيان، والكتابة عن تجربتهن في تهريب السلاح لصالح المقاومين والأدوار الأساسية التي لعبنها في تسهيل التواصل بين المبحوث عنهم.
وكان لا بد أن تكون «عائشة» المتحدرة من عائلة مقاوِمة، واحدة من بين الأسماء النسائية التي شكلت حلقة من حلقات الكفاح ضد الوجود الفرنسي في المغرب.
زواج عائشة ببنحمو الفاخري، الذي كان يترأس خلية المقاومة في درب غلف، ليصبح في ما بعد من المقربين من الملك محمد الخامس، ويؤسس بعد ذلك فريق نجم الشباب البيضاوي لكرة القدم، حيث سيصبح الفريق الذي انطلق من حي فقير، في صدارة الفرق الوطنية وينافس فريق الجيش الملكي، الذي كان في قمة الفرق المغربية وأيقونة كرة القدم الوطنية في تلك الفترة، جعل حياتها تشهد تغيرا كبيرا.
«وراء كل عظيم امرأة».. هذه القاعدة تنطبق على عائشة إلى حد كبير. لأن بنحمو الفاخري عندما أصبح كبيرا وله شعبية كبيرة بوصفه واحدا من أبناء درب غلف، بعد أن تفرد بالنجاح ليوصل فريقا لكرة القدم إلى الريادة، أصبح على عائشة أن تتأقلم مع الوضع الجديد.
عندما كان الفاخري يرعى فريق نجم الشباب البيضاوي، ويربط علاقات وطيدة مع مسؤولين في الدولة بفضل قربه من الملك محمد الخامس، كانت عائشة تمثل نموذج ربة البيت المثالية التي ترى زوجها يحصد النجاحات تلو الأخرى، خصوصا وأن سنة 1959 كانت سنة واعدة جدا رغم أن أشهرها الأخيرة كانت مأساوية بكل المقاييس بالنسبة للأسرة الصغيرة.
خلال سنوات الخمسينات كانت عائشة لا تفارق زوجها بنحمو الفاخري، وهذه الصورة النادرة المرفقة بالمقال تعد واحدة من ذكريات الرحلات العائلية للأسرة الصغيرة. كانت عائشة تبدو مثالا للمرأة المغربية المتفتحة في سنوات مبكرة، وبينها وبنحمو الفاخري، رب الأسرة، تقف الابنة التي تبناها الزوجان لأنهما كانا غير قادرين على الإنجاب، لم يكونا يعلمان أن نهاية سنة 1959 ستكون سنة التقلبات.
كان بنحمو مخلصا لعائشة، وحتى بعد أن جرت مياه كثيرة تحت الجسر ليتحول بنحمو الفاخري من مفخرة شباب الدار البيضاء وأكثر أبنائها شعبية، إلى مطلوب من طرف الأجهزة الأمنية سنة 1960، فقد كانت علاقتهما وطيدة، حتى خلال الفترة التي اختفى فيها بنحمو عندما كان مبحوثا عنه.
كان على زوجته عائشة أن تعيش فصولا من الرعب الحقيقي عندما كان «البوليس» يأتون في أوقات متفرقة من النهار، وفي أولى ساعات الصباح أيضا، ليقتحموا منزل بنحمو الفاخري ومنزل عائلته بشكل مفاجئ. عاشت «عائشة» كل هذا الرعب النفسي، وكان عليها أن تجرب مرارة الاعتقال والاستنطاق وساعات التحقيق المطولة، لكن كل هذا لم يجعلها ترضخ للضغوط التي مورست عليها في تلك الفترة.
هكذا عادت عائشة لتعيش سنوات مرعبة بعد الاستقلال، بعد أن كانت تعتقد أن سنوات الرعب قد انتهت إلى الأبد. ففي الفترة التي كان فيها المغرب تحت الحماية الفرنسية، كانت عائشة الشابة الصغيرة المقبلة على الحياة، لا تتردد في المغامرة لإيصال السلاح إلى فرد من أفراد المقاومة، لأنها كانت فوق الشبهات ولن يظن الفرنسيون أن طفلة وديعة ستدس سلاحا ناريا تحت ثيابها. وحتى أنها نجت في ما مضى، فإن الحظ لم يحالفها بعد أن أصبح بنحمو الفاخري مطلوبا للأمن مباشرة بعد الاستقلال، حيث إن التهمة التي وجهت له كانت ثقيلة جدا.
وحسب المعطيات التي توفرت، فإن الملف كان مفبركا للإيقاع ببنحمو وإلصاق تهمة تهديد النظام ومحاولة اغتيال ولي العهد وقتها. واكتشف بعد سنوات طويلة كيف أن بعض الواقفين وراء الأجهزة الأمنية، كانوا يخططون للتخلص من أسماء كثيرة آنذاك، وكان بنحمو الفاخري أحدها.
عاشت عائشة إذن أشهر رعب حقيقي تمثلت في الاستنطاقات والمراقبة اللصيقة والضغط النفسي للوصول إلى زوجها الفار. كان بنحمو وقتها يخطط للفرار إلى الخارج ولم يكن ليفرط في زوجته عائشة وابنته، وكان مخططا أن يرتب لهما أمر الفرار معه خارج المغرب، لكن الوشاية أوصلت الأجهزة الأمنية إليه قبل تنفيذ الخطة. وهكذا تم اعتقاله ومحاكمته في محاكمة شهيرة نطق فيها بأول حكم إعدام في تاريخ المغرب بعد الاستقلال، لتتحول حياة عائشة إلى جحيم حقيقي بعد تنفيذ الحكم، حيث رفضت السلطات تسليمها جثة زوجها، لتفارق الحياة بعده بسنتين تقريبا متأثرة بكل «التراجيديا» والسرعة التي انتهى بها بنحمو.