شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةملف التاريخ

ظروف نزوح الآلاف إلى الدار البيضاء خلال المجاعة وهكذا تشكّلت أحياء الصفيح

يونس جنوحي:

يواصل الصانع الفرنسي حديثه:

-«إن الوعي الاجتماعي في الغرب يبقى مفقودا في صفوف المُشغلين وأيضا في صفوف العمال، ويجب أن أضيف أنه مفقود، أيضا، وسط العمال المغاربة.

لقد سبق لك أن رأيتَ بعض المصانع الفرنسية الجيدة جدا، وسآخذك الآن إلى بعض المصانع الفرنسية السيئة، وستجد أنه رغم أنّ بعض المُشغّلين الفرنسيين سيئون، إلا أن كل العُمال المغاربة، هناك، أسوأ».

وقد كان على حق.

زيارتي للمصانع الراقية تضمنت معاينة للمرافق السكنية أيضا، عندما يرتفع عدد سكان مدينة من خمسة آلاف إلى 700 ألف، في ظرف أربعين سنة، فإن أزمة السكن يجب أن تكون مُتوقعة، الأكثر من هذا كان هناك تخطيط صغير خلال هذا التوسع المفاجئ.

في فترات الجفاف، على الخصوص، سمع الفلاحون عن الأجور الجيدة – بالنسبة لهم على الأقل- التي يمكن كسبها، ونزحوا نحو المدن.

وهكذا، في غضون بضعة أشهر، جاء مئة ألف شخص إلى الدار البيضاء، ليس لأن نداء للعمل أُطلق، ولكن لأن الظروف الفلاحية كانت سيئة.

لا توجد مدينة في العالم يمكنها أن تتغلب على مأزق مماثل. قبل أربعين عاما، تبنت الدار البيضاء مشروع مخطط للمدينة. بُنيت مدينة أوروبية على بُعد مسافة من «المْدينة» الأصلية.

الفكرة كانت جيدة، لكن تطبيقها تُرك للمضاربين – وأغلبهم مغاربة. وهكذا تكاد «المْدينة» الجديدة تكون مزدحمة مثل القديمة.

حتى هذا الإجراء لم يحل المشكلة، المخطط الواسع للتعمير لم يكن قادرا على مواجهة تأثير مجاعة عام 1945.

عشرات الآلاف من المغاربة، مسلمين ويهودا، جاؤوا من العالم القروي ليزدحموا في المدينة. كان الازدحام طاغيا والأسعار صارت مرتفعة. أرى أن الحس المُجتمعي للمغاربة ضئيل ومحصور فقط في تنظيماتهم القبائلية.

وباستثناء ما يتلقونه في التعليم القرآني، فإن الكثيرين ليست لديهم شفقة أو رحمة على زملائهم الذين يعانون من ضائقة اقتصادية، ونادرا ما يُقدمون شيئا بدون مقابل ولا يتوقعون، أيضا، الحصول على شيء.

عندما يُشير سائح إنجليزي متجول بأصبعه إلى سيارة نقل تقترب منه، فإن الراكب المغربي المتسلل والراكب مجانا قد يُطالبه بدفع مبلغ مئة فرنك.

هكذا كان هناك الكثير من الناس الذين استفادوا ماديا من هذا الظرف غير المسبوق، وقفز سعر تأجير غرفة واحدة إلى أربعة أو خمسة آلاف فرنك شهريا، ثم لجأ بعض المغاربة اليائسين إلى نوع أقدم من أشكال السكن.

خارج المدينة يبني أحدهم كوخا يكون شبيها بالكوخ الذي كان يسكنه في قريته، باستثناء أن مواد البناء المعتادة لم تكن متوفرة. إلا أن الجيش الأمريكي، خلال مسيرته عبر المغرب وقت الحرب، ترك في أثره عشرات آلاف العلب الصفيحية (حاويات البترول).

كان المغربي يقوم بجعل بعض تلك البراميل مسطحة واستعملها للجدران والسقف. وتبع الآخرون هذا النموذج العبقري. الملاك المغاربة للأرض اندفعوا للاستفادة من الطفرة الجديدة، وبدأوا هم أنفسهم في بناء أحياء هامشية على نطاق واسع ووجدوا أمامهم مُستأجرين جاهزين لأكواخ بسعر مئتين وخمسين فرنكا شهريا.

اليوم كل مدينة مغربية تقريبا لديها أحياؤها الصفيحية، لكن تلك المحسوبة على الدار البيضاء تبقى الأكبر والأسوأ. في واحد منها، وجدت أكثر من خمسين ألف شخص يقطنون في مساحة 130 فدانا. تلك الأكواخ شبيهة بتلك التي يقيمها مربو الدواجن أو الخنازير، الإنجليز. كانوا يجتمعون معا على جوانب ممرات ضيقة. لم يكن الصرف الصحي موجودا والمياه كانت تُنقل من بعيد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى