حسن البصري:
أصدرت المحكمة الابتدائية لمدينة بنسليمان، أول أمس، أحكامها في ما بات يعرف بملف «حسنية بنسليمان»، والذي يتابع فيه مسيرو هذا الفريق، بتهمة تبديد أموال عمومية وخيانة الأمانة. تراوحت الأحكام ما بين سنتين وثلاث سنوات حبسا نافذا، واكتفت بالعقوبات الموقوفة التنفيذ لباقي المتهمين، أما الغرامات فلم تتعد 500 درهم.
لا أحد تحدث عن الأموال المنهوبة التي تعدت 300 مليون سنتيم، ولا أحد طالب باستكمال التحقيق مع الذين رموا بالفريق إلى قسم المظاليم، ولكن المتهمين المعتقلين ضربوا موعدا في محكمة الاستئناف لخوض الشوط الثاني من المحاكمة، ولأنه في منطق الكرة الشوط الثاني «شوط المدربين»، فإنه في منظومة العدالة الشوط الثاني «شوط المحامين».
أعاد حكم بنسليمان إلى الأذهان ملف رقعة الشطرنج الذي أصدرت فيه المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء حكمها، في حق رئيس الجامعة الملكية المغربية للشطرنج، بتهمة خيانة الأمانة، وأدانته بتهمة التلاعب في أموال الجامعة، والتي تقدر بملايين الدراهم، فأصدرت حكمها على رئيس الجامعة بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية نافذة قدرها ألف درهم، والحكم على متهمين اثنين في هذا الملف، مديرة مالية وإدارية بالجامعة، بشهرين حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية نافذة قدرها ألف درهم، حيث تابعتهم المحكمة جميعا من أجل خيانة الأمانة، وبرأتهم من تزوير محرر بنكي وتجاري.
كثير من رؤساء الفرق والجاثمين على صدر الجامعات الرياضية والساهرين على الصنابير، التي تضخ المال السائب، يدخلون المحاكم مقنعين بنظارات سوداء وكمامات. أحدهم تجرأ وطالب المحكمة بتخصيص جلسات مسائية لهم، لأنهم شخصيات عمومية يتعقبهم المؤثرون وصناع محتويات الإثارة.
حين تكون رئيسا لفريق رياضي فإن ظروف التخفيف تحفك وترعاك، كي لا تصبح «وش سجون»، ولأن محاميك يردد لازمة: «جعلوني مجرما» في مرافعات صاخبة، تستحق أن يتنافس من أجلها الراكضون وراء «الحصري».
في عالم الرياضة، كما في عالم السياسة، كائنات جاءت إلى سدة الحكم وهي لا تملك إلا تعبئة قوت أسبوع بالكاد، وحين توغلت في دواليب المال ركبت أفخم السيارات وأبرمت الصفقات في أرقى الفنادق، واستبدلت طاقم الأسنان، وتسللت إلى دواليب الحكم وهي تعلم أن «وقف التنفيذ» يبطل المتابعة، ويؤجل الإقامة خلف القضبان.
أثارت الأحكام الصادرة في حق ناهبي مال الرياضة موجة غضب في الوسط الرياضي، وتبين أن الحكم مخفف ضد من «اغتصب» الميزانية وافتض «بكارة الحكامة»، وأنه على امتداد عقود لم يدخل السجن من رؤساء الفرق إلا رئيسان بتهم لا علاقة لها بالكرة، وهما فكان الجديدي والتمسماني التطواني.
حين يسأل المسير المدان عن سر تحويل مبالغ مالية إلى حسابه الشخصي، يرد بنبرة واثقة: «أقرضت الفريق مالي واسترجعته»، وحين يستغرب المحققون للقرابة العائلية بين الرئيس وأمين المال، وتوقيع شيكات على بياض، يرد المدان من وراء قفص الاتهام: «لا ثقة في عتيقة».
في مصر، اعتقل مرتضى منصور، رئيس الزمالك، وهو من أشهر المحامين، بسبب واقعة السب والشتم في حق رئيس الأهلي، وفي مشهدنا الكروي تدور مباريات قذف وشتم وتنقل على الأثير مباشرة، دون أن تفضي إلى السجن.
وقف أولي هونيس، رئيس نادي بايرن ميونيخ الألماني، بجلالة قدره، أمام القضاء، وقضى ثمانية عشر شهرا خلف القضبان بسبب تهرب ضريبي، وقضى ساندرو روسيل، رئيس نادي برشلونة الإسباني الأسبق، عقوبة سجنية دامت خمس سنوات بتهمة غسيل الأموال.
في تونس تم الحكم على عبد السلام اليونسي، رئيس النادي الإفريقي السابق، بالسجن لمدة ثمان وعشرين سنة، وسبقه سليم شيبوب، رئيس نادي الترجي الرياضي الأسبق، إلى الزنزانة الانفرادية.
حين قررت الدولة تجفيف منابع الفساد وبؤر الاغتناء السريع في أندية أشبه بمقالع المال، ساندهم المشجعون بهاشتاغ «السجن للجدعان».