شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ظاهرة الموت بتحلل الشكل وتوقف الوظيفة

 

مقالات ذات صلة

 

بقلم: خالص جلبي

هذا التحليل ينطبق على المواد والأحياء والعلاقات؛ فالطاولة لا تبقى طاولة إذا فككنا أجزاءها، ولو بقيت موادها الخام، وكذلك السيارة وطائرة الهليكوبتر، والكمبيوتر. وتظهر الوظيفة على نحو مميز بترابط الأجزاء ووحدة العضوية.  كذلك الحال في هشيم النبات، وتحلل الخلية، وموت العقرب، واضمحلال المجتمع، وفَناء الحضارات في فِناء الزمن.

ومن أطرف الأمور هو تلك العلاقة المقلوبة بين دقة الوظيفة وتفاهة العطب، تكفي جلطة لموت إنسان بانسداد شرياني، وانقطاع الأكسجين لمدة خمس دقائق في احتراق الدماغ، وفيروس تافه لإنهاء حياة فيلسوف، وطلقة سخيفة أن تنتهي حياة غاندي، كما تفعل أتفه الأمور في إنهاء أعقد العلاقات.

هذا الجدل بين الموت والحياة يسري كقانون غامر ساحق ماحق لكل جنبات الوجود.

فهل نحن أمة ميتة وجثة ملقاة على شاطئ الزمن، أم أمة عظيمة قدوة للغادي والرائح؟ خير أمة أخرجت للناس كما جاء في القرآن، أم أنه وصف لأمة مضى وقتها والتهمها التاريخ في أحشائها ورماه من المخلفات، كما وصف ذلك مالك بن نبي في إطلاق وصف أو تعبير (إنسان ما بعد الموحدين)، أو الذي وصفه الجابري وهو يقوم بتشريح بنية العقل العربي بأنه ميت، منذ أيام الغزالي في القرن الخامس الهجري!

 يمكن وصف وضعنا بأنه أشبه بقطار خرج عن السكة، بعد تعرضه لحادث مريع، فركابه مذهولون بين مقتول وصريع ومجروح، وغائب عن الوعي، ومنهم من صحا وهو نازف يتأمل الكارثة.

نحن أمة خرجنا عن سكة الزمن، وإحداثيات التاريخ والجغرافيا، ضائعين في الزمن اللانهائي، شاردين من مركبة فضاء العصر نحوم في الفضاء الموحش، نعيش بدون أن نعيش، مواطن بلا وطن، جيل التيه والخوف والهزائم والديكتاتوريات واغتيال العقل وكرامة الإنسان بالطبنجة والخيزرانة والمخابرات والمباحث السرية والفلق والحبوس، غائبين عن العصر، لم نشارك في صناعته هو لنا مثل عالم الجن الأزرق، كما وصف ذلك في كتاب محمد حسين في كتابه «المسلم الحزين في القرن العشرين»، أو كتاب «لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟» لشكيب أرسلان، أو كتاب «التجارب المرة» لمنيف الرزاز، أو مذكرات الحوراني الحزينة عن رفاق الجملوكيات، وهو من أتى بهم وصنعهم ويداه أوكتا وفوه تفخ فغرق بالقربة البعثية. أو كتاب «رحلة ذهاب وعودة من الجحيم» للمغربي محمد الرايس، أو «تلك العتمة الباهرة» للطاهر بن جلون، أو «ظلمة بين جدارين» للجادرجي العراقي وزوجته، أو «السجينة»، لبنت أوفقير المنحور المنتحر! وهي كما نرى عينات من طنجة حتى حلكو ونصيب، ومن الناصرية حتى الأصنام ونواكشوط والبقاع وبعلبك.

بالطبع قامت حركات وشخصيات وأحزاب بحرق المراحل، عسى أن يدخل العالم العربي المعاصرة، تمثلت في حزب التحرير الفلسطيني المقدسي لاستعادة الخلافة، والإخوان المسلمون المصرية لإعادة تنظيم الأمة، وحزب الله اللبناني مستمدة زخمها من قم بالإحياء الشيعي لفكرة المهدي المنتظر، ومحمود طه السوداني في تحديث المفاهيم، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وقد استفادوا من كتابي في النقد الذاتي وضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية، خاصة في تأسيس مفهوم اللاعنف في التغيير السياسي والاجتماعي، والترابي متأخرا في طرح مفهوم الحريات، ومن قبل رشيد رضا والأفغاني ومحمد عبده في إيجاد صيغة جديدة لنشاط الأمة، والكواكبي الحلبي في تحليل مفهوم الاستبداد في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد». ومالك بن نبي الجزائري في إحياء فكرة الحضارة الإسلامية، وجودت سعيد السوري في مفاهيم التغيير من خلال مفهوم اللاعنف، والشحرور الشامي من بوابة اللغة مثل لاعبي السيرك الذين يخرجون أرانب بيضاء من قبعات سوداء، هو ومحمد عنبر في كتاب «القرآن والكتاب»  وكتاب «جدلية الحرف العربي». والمسيري في حركة كفاية وووضع الصهيونية تحت المشرط والمشرحة، مثل تحليل أي جثة فاسدة. والنيهوم الليبي في نفض مفهوم المسجد، عسى أن تعود إلى الجامع وظائفه الحيوية، وسعيد حوى الحموي في التنظيم العسكري تحت عنوان «جند الله ثقافة وأخلاقا».

والنورسي التركي بديع الزمان في حركة النور، والوردي العراقي في مشروعه للوعي التاريخي الاجتماعي تحت عناوين شتى، مثل «وعاظ السلاطين» و«منطق ابن خلدون» و«خوارق اللاشعور» و«موسوعة التاريخ العراقي الحديث»، وفؤاد زكريا من جماعات الحداثة في مشروع سلسلة «عالم المعرفة» ونقد الصحوة الدينية. ومشروع عابد الجابري المغربي في تفكيك بنية العقل العربي، أو علي حرب في نقد النص ونقد النقد.

وأخيرا، حتى تنظيم القاعدة في حربه ضد الكفار والمشركين والمنافقين بالطريقة الدموية. والسؤال ماذا فعلت كل هذه المحاولات؟ هل كتب لها وعلى يدها يقظة العقل العربي، وتحرر المواطن؟ والخروج من نفق الديكتاتورية السياسية؟ وهل دخلت الحداثة؟  

 

نافذة:

نحن أمة خرجنا عن سكة الزمن وإحداثيات التاريخ والجغرافيا ضائعين في الزمن اللانهائي شاردين من مركبة فضاء العصر نحوم في الفضاء الموحش

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى