شوف تشوف

الرئيسية

ظاهرة الزلزال (1)

 في يوم الاثنين الموافق 6 فبراير من عام 2023م على الساعة الرابعة فجرا، كنت في مونتريال بكندا وكانت ابنتي عفراء مع زوجها ياسر في مدينة غازي عنتاب بتركيا، حين وصلني خبر الزلزال. قالت كنا نميل ولا تمسكنا الأرض، ولكن البناء كان محكما فلم يسقط. كان الزلزال شديدا من 7.7 درجات على مقياس ريختر، وهو مقياس عالمي تم تطويره على يد «تشارلز فرانسيس ريختر»، وكلمة ريختر أو ريشتر مصدرها ألماني، وتعني القاضي. طور ريختر مع صديقه غوتنبرغ هذا النظام بعشر درجات، يبدأ من درجتين وتشعر به الحيوانات فتضطرب وتهيج، ونشعر به نحن مع الدرجة الخامسة، وتهتز وتتمايل الأغراض مع الدرجة السادسة، ومع السابعة يكون البلاء، فتطيح البنايات الضعيفة وتصمد من بنيت على تقوى من الله ورضوان على نوابض تتحمل الصدمات فتميل ولا تسقط ولا يموت الناس تحتها، ورقم تسعة ويزيد يحدث كل عشرين سنة، أما رقم عشرة فلم يحدث بعد وقد يحدث، وإذا وقعت الواقعة فليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة، إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا، فكانت هباء منبثا.

ولمزيد من مسح هذه الزاوية المظلمة من العلم، حيث ينشط الدعاة الشعبيين فيتنبؤون بقيام القيامة أو نهاية العالم، أو أنها عقوبات إلهية، فلنلقي نظرة ماسحة على الموضوع؛ ومثلا ففي أعياد الميلاد من عام 2004م اهتزت الأرض في سومطرة، وتحرك المحيط بموج كالجبال فابتلع اليابسة ومعها 150 ألف إنسان، وعقدت الدهشة الألسنة مما حدث، والطبيعة ليست مزاجية مثلنا، بل لها قوانينها التي لا تتبدل ولا تتغير. وخرج علينا الفقهاء بتفسيرات تقول إن الله انتقم في أعياد الميلاد من أولئك الفسقة بأشد من قنبلة نووية. ولكن بالتاريخ نفسه، قبل سنة، وعند الساعة الخامسة و28 دقيقة من صباح 26 دجنبر 2003م زلزلت الأرض زلزالها في مدينة «بام» الإيرانية، فانتهت حياة أكثر من ثلاثين ألف إنسان تحت الأنقاض، مع أن قوة الزلزال لم تزد على 6,3 درجات على سلم ريختر. ولا يستبعد أن يأتي إنسان فيقول إن أهل «بام» (روافض) عاقبهم الله، ولكن قبل سنوات اهتزت الأرض في تركيا، فقتل في الزلزال من المسلمين (السنة) 20 ألفا.

وبعد زلزال «بام» توجه الزلزال إلى أقصى الأرض فضرب جزيرة «بالي» في أندونيسيا، ثم قفز إلى غرب الأرض فضرب مدينة «مكسيكو سيتي». وخلال شهر واحد اهتزت الأرض أكثر من 200 مرة، منها عشر مرات بقوة تجاوزت 6 درجات على سلم ريختر.

وفي عام 1992م ضرب الزلزال «القاهرة» فخرت الأبنية الضعيفة ونجت القوية. وما حدث (للشيعة) في إيران و(السنة) في تركيا والقاهرة، حدث (للمسيحيين) في «سان فرانسيسكو» عام 1906م، فارتجت الأرض وأصبحت المدينة كومة أشباح.

وفي عام 1995م ضرب الزلزال مدينة «كوبي» اليابانية، واليابانيون ليسوا شيعة ولا سنة ولا مسلمين ولا مسيحيين. ولم يفرق الزلزال في ضربته بين عقائد الناس، بقدر خضوعهم جميعا لقانون واحد. وعندما تجتاح الكوليرا بلدا فبسبب القذارة. وفي عام 1905 كان يموت من أهل مدينة «هامبورغ» الألمانية كل يوم ألف مريض بالكوليرا. وعندما ينفجر الطاعون في الهند، فبسبب تقديس الجرذان.

وبمراجعة لتاريخ الزلازل نعرف أن ما يحدث لا علاقة له بإيمان وكفر وطاعة ومعصية، ولكن العقل الذي يسبح في الخرافة والمجهول مستعد للتورط في كل تفسير.

وقصص التاريخ حافلة، ومثلا ففي عام 1466م أصيب أهل أوروبا بذعر شديد، عندما حلق فوقهم مذنب كبير يلمع في كبد السماء، وكانت الأخبار عن سقوط القسطنطينية عام 1453م قد استغرقت ثلاث سنين، قبل أن تروع القارة العجوز بأحداثها، واستولى على الناس شعور مفاده أن هذا المذنب علامة على وقوف الله بجانب الأتراك.

وفي عام 1578م نشر «أندرياس سيليشيوس  ANDREAS CILICIUS»، أسقف «ماغديبورغ  MAGDEBURG»، كتابا يفسر اندفاع هذه المذنبات في السماء بكثافة خطايا البشر، فتتشكل ضفائر ثخينة صفراء تحلق في الملكوت. ولم تكن النار المحلقة في الأفق عام 1466م سوى مذنب «هالي» الشهير، الذي يقوم بزيارتنا كل سبعين سنة مرة. ولو كانت المذنبات الثخينة تُضفر من جدائل خطايا البشر، لفوجئنا بامتلاء السماوات بها دون توقف؛ فدم الإنسان يسفك على مدار الساعة.

وبركان «فيزوف» انفجر ليس لأن أهل بومبي كانوا فجرة، فأهل «روما» كانوا أظلم وأطغى فاستمروا يعربدون، وأما بومبي فغشاها ما غشى، فبأي آلاء ربك تتمارى. فيجب فتح العقل على فهم سنن حدوث الأشياء، وإلا كنا نكذب على الله. 

 وفي أيام «نور الدين زنكي» احتدمت الحروب واشتدت الزلازل وهبطت الكنيسة في أنطاكية على رأس «أثناسيوس» بطريق الأرثوذكس وقساوسته وهم يؤدون القداس، فاعتبر الكاثوليك ذلك معجزة إلهية. ولكن الزلازل ضربت يومها الجميع مسلمين وأرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، من حلب حتى طرابلس.  

 خالص جلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى