منهن من تستغل ارتفاع عدد المشاهدات والتفاعل لتحوّل الحصص الدراسية إلى حصص إشهار لمنتوجات تجميل بل وتجرب هذه المنتجات أمام التلاميذ وبتصوير مباشر
ظهرت، أخيرا، عشرات الحسابات لمُدرسات مغربيات عبر بعض التطبيقات المنتشرة، يعمدن فيها إلى نشر فيديوهات لهن مع تلامذتهن في وضعيات مختلفة، الغرض منها تحقيق التفاعل والحصوص على الاشتراكات التي تمكنهن من الحصول على أموال دعم من «متربصين» لا تعنيهم أبدا عقول الأستاذات المعنيات بقدر ما تعنيهم أجسادهن. وتصل ذروة هذه الموجة عندما تفتح بعضهن تصويرا مباشرا وهن في القسم، ومنهن من استغلت ظروف الزلزال وصورت أطفالا وأقساما بغرض رفع نسب المشاهدة، ومنهن أيضا من أضحت تستغل ارتفاع عدد المشاهدات والتفاعل فحوّلت الحصص الدراسية إلى حصص إشهار لمنتوجات تجميل، بل منهن من تعمد إلى تجريب هذه المنتجات (صباغات للأظافر وعطور ومواد لبشرة الوجه وغيرها..)، أمام التلاميذ وبتصوير مباشر، وتشرع في تلقي الطلبيات.
«مؤثرات» قطاع التربية
أدى الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا المرتبط ببعض التطبيقات الأكثر انتشارا، إلى ظهور أستاذات يحاولن تقليد بعض المؤثرات المنتميات لمجالات أخرى. ويتعلق الأمر بأستاذات فتحن حسابات في محاولة منهن للحصول على دخل ثان، على حساب مهنتهن الأصلية، ومنهن من استغللن الزلزال الأخير ونشرن صورا وفيديوهات يدعين فيها أنها لمدارسهن وتلامذتهن، لتنهال عليهن أموال من داعمين.
بعضهن، ممن تمت متابعتهن لمدة ليست بالقصيرة، لا تختلف عن باقي المؤثرات أو من يحاولن أن يكن كذلك، من استعراض مبالغ فيه للأجساد والألبسة والأكسسوارات، ويتم ذلك داخل الفصول الدراسية، حيث يفتحن تسجيلا مباشرا، ويطلبن الدعم ويستجدين «الجيمات» من المتابعين، فيما لا يتعدى تدخلهن «التربوي» في الحصة بضعة أوامر موجهة للتلاميذ، من حين لآخر، من قبيل: «كتبو» أو «سكتو»..
وفي تعليق له على هذه الظاهرة، أكد عبد الصمد زيان، الأستاذ الباحث في العلوم الاجتماعية، «أن هذه المهزلة قد تخفى عن المسؤولين، بدءا من رؤساء المؤسسات التعليمية وصولا للمفتشية العامة في الإدارة المركزية، ولكن، لأن اللامبالاة هي سيدة الموقف دائما ولأن أية محاولة للردع القانوني ستتطلب مسطرة قانونية غالبا ما يؤدي تنفيذها إلى حدوث ضجة نقابية، وقد تصبح ضجة إعلامية تقف وراءها قنوات رقمية معروفة بخلق هذه الضجات وتأجيجها، فإن المسؤولين يفضلون غض «طرف القانون»، بينما في الواقع لا يغضونه لأنهم متابعون «أوفياء» ومتفاعلون أيضا، متناسين أن الخصوصية والسرية هُما آخر ما يمكن أن يحلم به مستعلمو التطبيقات».
وأضاف الباحث السوسيولوجي أنه «قد يحدث أحيانا أن تتدخل النقابات عبر «متفرغين» للدفاع عن الأستاذة-المؤثرة، مثلما حدث قبل سنوات عندما تم إنهاء تكليف أستاذة للتعليم الثانوي وإعادتها لإطارها الأصلي في التعليم الابتدائي لأنها كانت تتقاسم صورا مخلة جدا لها مع تلامذتها المراهقين على الفايسبوك، وحينها ظهر من دافع عن حقها في نشر ما تريده لأن هذا شأن خاص، وتناسوا فجأة بأن الحرية لا تعني انتهاك القانون الأخلاقي».
هكذا اكتشفت بعض أستاذاتنا أن مهنتهن كمدرسات لا تتعارض مع «الأدسنس»، فظهرت أستاذات «مؤثرات» في مختلف «التخصصات»، منهن المتخصصات في تقديم نصائح للمطلقات والمتزوجات والعازبات لتفادي «غدر الرجال»، ولا يمنعهن التزامهن المهني اليومي من أن يفتحن «اللايفات» إلى الساعات الأولى من الصباح. ومنهن المتخصصات في تقديم النصائح المتعلقة بـ«التنحيف والتسمين» وتنظيف البشرة. ومنهن المتخصصات في تقديم وصفات الأطباق..
مؤثرات لكن في التربية
مثلما نعزو سببيا كل ما يحدث لنا لأسباب خارجية، وأحيانا بطُرق ساذجة، من قبيل (داني النعاس) و(مشا عليا القطار) و(ضربني البرد) وغيرها من أشكال «العزو السببي» التي نبرئ فيها أنفسنا من المسؤولية، نُصِرُّ أيضا على أن نعزو تردي التعليم للآخرين، كل الآخرين، إلا أنفسنا فنحن الأبرياء والأنقياء، المُضَحّون والمُلتزمون. لكن نادرا ما نسائل قصورنا، قصور تكويننا وقصور انخراطنا وقصور مهاراتنا وتجاربنا وفساد أخلاقنا وتوحش جشعنا، فنجد رؤساء ينسبون التردي للمرؤوسين، وينسبه المديرون للمدرسين، وينسبه المدرسون للتلاميذ والآباء، وينسبه المفتشون للمديرين الإقليميين والجهويين أو للمدرسين ومراكز التكوين. ومن الطبيعي أن يتحول كل نقاش عام أو خاص إلى «حوار طرشان»، وتتحول بلاغاتنا وبياناتنا إلى تبادل للتهم، بل وإلى شتائم واتهامات علنية، بدل أن تكون تنويرا وتوضيحا.
وفي حال موجة الأستاذات المؤثرات تحديدا، فإنه يسهل علينا تبرير هذا التردي بالوضع المالي والنفسي والاجتماعي للأستاذات المتورطات في هذه المهازل، من قبيل وضعيات الطلاق أو العنوسة أو العزلة وغيرها من التبريرات، لكن مسؤوليتهن عن تردي التعليم قائمة ولا ترفعها هذه التبريرات، تماما مثلما لا ترتفع مسؤولية كل مرب ي/ة أخلّ بواجبه، أو انشغل عنه بأنشطة موازية أخرى، بعض هذه الأنشطة تسيء لصورة المدرس/ة ولصورة المَدرسة.
ولا تقف تلك المؤثرات «المربيات» عند الإعلان عن الملابس فقط وتتمادى نصائحهن إلى أطباء التجميل وتبجيل العمليات، فتتعامل الواحدة منهن مع التلاميذ كوسيلة للحصول على الشهرة، ومع الجمهور كأرقام مدرة للمال ولا تعير أي انتباه لهم أو لحياتهم، فتنحط بتصرفاتها وتنزل أكثر كلما زاد عددهم فتعتقد أنها أصبحت فوق القانون والعادات والأخلاق العامة، وتفرض عادات جديدة تؤثر تأثيرا سلبيا على التلاميذ الذين يجبرون على الخضوع لاستغلالها.
الرقابة على هؤلاء المؤثرات أصبحت واجبة وعدم وجود رادع قانوني أو اجتماعي لهؤلاء جعل الظاهرة تتفشى أكثر وأكثر في مجتمعنا ليتحول إلى مجتمع استهلاكي بحت، لا يفكر سوى في صرف المال والشراء ولا ترى واحدة منهن تخبر تلامذتها بطريق النجاح أو تحقيق الذات أو طرق لجلب المال عدا عرض الملابس ومستحضرات التجميل ومفاتن الجسد.
يحسب للمغرب أنه من بين الدول القلائل، التي اكتسبت خبرة عميقة مما ظلت تتعرض له عبر التاريخ من محن وشدائد ومن فواجع وكوارث طبيعية. فقد تمكن المغرب، في عدة مناسبات، من رفع التحديات وتسطير الملاحم الكبرى والخروج من أشد الأزمات مرفوع الرأس، متماسكا وقويا، بفضل حكمة وتبصر قائده الملهم الملك محمد السادس ومن سبقه من الملوك العلويين وتلاحم الشعب المغربي وتضامنه المتواصل في السراء والضراء. ولعل في تعامله الجيد والتدبير الحسن لجائحة كورونا ومواجهة تداعياتها، أبرز دليل على ذلك بشهادة حتى البلدان المتقدمة.