شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

طوفان الأقصى بتونس

 

مقالات ذات صلة

 

 

صلاح الدين الجورشي

 

 

استمر التونسيون، بدون كلل، في تنظيم المسيرات والتظاهرات دعما للمقاومة الفلسطينية، وتنديدا بالقصف الإسرائيلي الوحشي لسكان غزة. كما حافظ الرئيس قيس سعيّد على خطابه الداعم للمقاومة بدون أي تحفظ، غير عابئ بمواقف الدول الغربية الحليفة لإسرائيل التي اتهمها بالنفاق، شعاره في ذلك «إما النصر أو الاستشهاد»، مضيفا: «سنقف مع الشعب الفلسطيني حتى يستعيد أرضه كاملة». لغة يسمعها التونسيون لأول مرة في تاريخهم الحديث من رئيس دولتهم. وعلى النهج نفسه، انتقد وزير الخارجية نبيل عمّار سفراء الدول الأوروبية بمناسبة العيد الوطني للمجر، وذكرهم بأن من شأن تجاهل المرجعيات الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف والقانون الإنساني، أن يفتح الباب للفوضى. هكذا بعدما كانت حكومات عدة تنتقد النظام التونسي، بسبب التفافه على الديمقراطية الناشئة، وتطالبه بإطلاق سراح المساجين السياسيين، وجدت نفسها في قفص الاتهام من سعيّد وحكومته، بسبب تبريرها جرائم الحرب التي ترتكبها الدولة العبرية.

ذكّرت قلة في صفوف النخبة البقية بأن حماس التي تقود المقاومة الفلسطينية حاليا جزء من الإسلام السياسي، في محاولة لإثارة الرأي العام ضدها. لكن الواضح أن هذا التحريض الإيديولوجي السافر لم يؤثر على انشغال التونسيين بما يحدث بغزة، فما يهمهم أن جزءا من الفلسطينيين يقاتلون العدو، وأن هذا الفصيل نجح في توجيه ضربة تاريخية إلى الكيان الصهيوني، وكبده ولا يزال خسائر فادحة، وأن الواجب يقتضي الوقوف إلى جانب هذا الشعب المظلوم والدفاع عن حقوقه المشروعة. أما المعروفون بعلاقاتهم بالأوساط الصهيونية، فقد لزموا الصمت وتجنبوا الظهور الإعلامي.

اللافت أن التونسيين توجهوا، في مسيراتهم، بالخصوص بشعاراتهم الغاضبة إلى سفيري أمريكا وفرنسا، وطالبوا بطردهما احتجاجا على سياسات بلدَيْهما الداعمة لقتل المدنيين الأبرياء. أما سفير ألمانيا بتونس فقد اعتبر أن إسرائيل تتعرض للإرهاب الفلسطيني، فرد عليه وزير التربية التونسي بأن العكس هو الصحيح، ما دفع السفير إلى الانسحاب غاضبا، فالأجواء محتقنة في مختلف الأوساط التونسية الرسمية والشعبية، ومع ممثلي معظم الدول الغربية.

هناك مشاعر قوية معادية للغرب بتونس، بسبب ازدواجية خطابه، وقلبه الحقائق، ودفاعه الاستفزازي والمستميت عن المشروع الصهيوني بكل أبعاده الخطيرة، رغم حجم الخسائر في الأرواح والتدمير المنهجي للبيوت والبنى التحتية والفتك بالأطفال والنساء. يتخلى الغرب بسهولة عن الروابط التي جمعته بتونس، وبغيرها من شعوب المنطقة، مفضلا عليها التمسح على أعتاب حكومة تل أبيب. هناك قطيعة جارية حاليا بين التونسيين عموما والمستعمر القديم، حيث لم يفهم ماكرون التداعيات الخطيرة التي ترتبت على ملاحقة حكومته الكبار وحتى الصغار الذين يحملون العلم الفلسطيني، أو يضعون على أكتافهم الكوفية أو يرسمون على أجسادهم صورة رمزية تربطهم بغزة. إنه هوس أصاب مؤسسات الغرب عموما تجاه كل ما من شأنه أن يذكر بوجود شعب يتعرض للتصفية المتواصلة والقضاء على وجوده وهويته. دفعت هذه الرغبة المجنونة عالم الاجتماع التونسي محمد نجيب بوطالب إلى أن يعلن على جداره، «اليوم في غضبي دفنت أوراقي التي كنت أكتبها ببرود عن حوار الحضارات… قطعت نياشين التكريم… اليوم راجعت دروسا كنت أستشهد فيها بكبار مفكري الغرب وأحشو بها رؤوس طلابي، محاولا إقناعهم بأن المركزية الغربية سقطت. إننا نحتاج إلى مراجعات عميقة في الفكر والسياسة وفي الأخلاق». شهادة في لحظة فارقة وَلَّدَهَا 7 أكتوبر.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى