شوف تشوف

الرأي

طهران ترى بايدن ضعيفا

عبد الرحمن الراشد

منذ توليه الرئاسة، وإيران تكرر اختبارها عزيمة جو بايدن بشن هجمات على عدة جبهات في أقل من ثمانية أسابيع. آلاف المسلحين الحوثيين، وكلاء إيران، اندفعوا نحو مدينة مأرب اليمنية، يهددون المدينة المكتظة بالسكان. عشرات القذائف والصواريخ أطلقتها ميليشيات إيران في البصرة وبغداد، وحديثا في أربيل، وكردستان العراق، فقتلت وجرحت في منشأة أمريكية. وفي بيروت قتل لقمان سليم، أهم المعارضين والأصوات القوية ضد إيران، ورميت جثته على قارعة الطريق.
كل هذه الأحداث خلفها إيران التي لا تريد إنكارها تماما، مستخدمة ميليشيات تابعة لها: «أنصار الله» في اليمن، وأولياء الدم في العراق، و«حزب الله» في لبنان.
خامنئي، وابنه مجتبى الذي يدير من طهران العمليات وراء الحدود، و«الحرس الثوري»، يعتقدون أن الرئيس الجديد ضعيف، لا يشبه الرئيس السابق دونالد ترامب، وهذه العمليات اختبارات لإدارته. وحتى الآن لم يصدر عن واشنطن سوى التنديد الكلامي.
إنها بداية متوقعة من الجانبين؛ الاستفزازات الإيرانية وعدم الرد الأمريكي. وسبق لحكومة ترامب أن غضت النظر في حالات مشابهة، وأرسلت رسائل خاطئة للأتراك والإيرانيين في سوريا عندما أعلنت أنها ستسحب قواتها بعد الهجوم عليها. لكن بعد فترة قصيرة بدل ترامب استراتيجيته، أبقى قواته وواجه الروس وزاد العقوبات الاقتصادية.
إنْ كانت الإدارة الأمريكية الحالية تريد إحياء التفاوض على الاتفاق النووي مع إيران، والتفاوض في اليمن، ومنع انهيار النظام في بغداد، فهي لن تستطيع تحقيق شيء من ذلك من دون استعراض قوتها.
لقد جرب سبعة رؤساء أمريكيين منذ كارتر حتى ترامب، أساليب مختلفة في إدارة الأزمات مع إيران، ولم تنصت إلا إلى القوة. جرب ريغان إهداء طهران الإنجيل والكعكة وشحنة أسلحة إسرائيلية، لكن طهران مختبئة خلف عملائها في لبنان؛ خطفت وقتلت أساتذة وقساوسة ودبلوماسيين أمريكيين وفجرت مركز المارينز في بيروت. حاول جورج بوش فتح صفحة بعيد احتلال صدام الكويت، ولم تكن النتيجة أفضل؛ عمليات عنف وتهديد السفن الأمريكية في الخليج. كلينتون، الذي تحاشى مواجهتهم، فجروا مبنى قواته في مدينة الخُبر السعودية، ونشروا العنف في المنطقة. جاء بوش الابن، وعرض عليهم التعاون في العراق مع إسقاط عدوهم المشترك صدام، لكنهم كانوا خلف العمليات الإرهابية ضد القوات الأمريكية تحت مسميات مختلفة مثل «القاعدة» و«داعش» والمقاومة العراقية السنية. خلفه أوباما، الذي تبنى خطا مختلفا تماما، إذ بعد تورط الإيرانيين والنظام السوري في رش الآلاف من المتظاهرين السوريين بالغازات السامة وإعلان أوباما خطه الأحمر، عرضوا عليه مفاوضات سرية، بدأت بالكيماوي وانتهت بالوعد النووي. أوباما أهدى الإيرانيين تقريبا كل أمانيهم، أنهى العقوبات وسمح لهم بتطبيع علاقاتهم مع الأوروبيين، وأكثر من مائة مليار دولار نقدا أرسلها بالطائرات من سويسرا، ومنح حتى أولاد المسؤولين الإيرانيين إقامات ورخص عمل لهم في الولايات المتحدة. في المقابل، كان هناك مائة ألف مسلح من دول مختلفة يحاربون تحت إمرة قاسم سليماني في سوريا، حيث قتل أكثر من نصف مليون سوري غالبيتهم مدنيون. واستولى الإيرانيون على العاصمة اليمنية ببنادق وكيلهم الحوثي، وزادت هيمنة «حزب الله» على الحكم في لبنان. وفي آخر أيام رئاسته، تعمد خامنئي إذلال الرئيس المغادر بخطف بارجة عسكرية أمريكية، واستعراض البحارة أمام العالم وهم راكعون مستسلمون. جاء بعده ترامب الذي تعهد بتأديب النظام، وفي نحو أربع سنوات ألحق بالمرشد الأعلى أقسى العقوبات وأكثرها إيذاء، لكن رئاسته انتهت قبل أن تنتهي الأزمة.
من المؤكد، من مرحلة ترامب، أن العقوبات هي أفضل هدية لخليفته بايدن الذي كان ولا يزال بإمكانه أن يزيدها ويضغط على المتطرفين في طهران، ويجبرهم على التفاوض أو مواجهة خطر انهيار نظامهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى