هل المؤسسات الإسلامية للعمل الخيري في فرنسا باحات خلفية فعلا لصراع أطياف مسلمي فرنسا؟
عندما انطلقت قبل أيام أشغال «منتدى الإسلام في فرنسا»، حضر ممثلون عن الطوائف والمذاهب وحكومات الدول الإسلامية، وكان معهم وزير الداخلية الفرنسي. وقبل نهاية السنة الماضية، في أكتوبر الأخير فقط، حضر الرئيس الفرنسي «ماكرون» بنفسه لإحياء بمئة سنة على إنشاء مسجد باريس.
أي أن مُسلمي فرنسا قضوا قرنا كاملا في الممارسة المُعلنة لصلاتهم وتجمعاتهم. لكن اليوم يأتي القرار القاضي بإنهاء عمل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المعروف في فرنسا اختصارا بـ «CFCM»، والذي يترأسه محمد موساوي.
الفرنسيون كانوا يُعدون مسلمي بلادهم نفسيا لكي يتقبلوا خبرا من هذا النوع. إذ إن الإعلام الرسمي في فرنسا نشر في يناير من السنة الماضية، أي قبل سنة بالضبط، تقريرا تقول فيه «فرانس 24»: المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يحتضر ويتجه نحو الزوال على وقع انقسامات داخلية حادة.
لا أحد يعرف ماذا يقصد الفرنسيون بالانقسام الحاد. وإذا كانوا يقصدون بها الخلافات التي تقع بين لجان المساجد، فالأمر مثير فعلا للسخرية ويستحق أن يُصبح نكتة السنة. إذ إن صراع لجان المساجد وخلافاتهم رياضة شعبية جدا، وتنتشر في المغرب الذي يتحد فيه مسلموه على المذهب المالكي، فما بالك بمساجد فرنسا التي يفترض فيها أنها تمثل مسلمي العالم بمختلف مذاهبهم، ومن العادي، بل ومن الواجب، أن يحضر الاختلاف في التدبير بحسب التمثيليات التي تحضر في تلك المساجد.
دائما ما كان المصلون المغاربيون، خصوصا من المغرب والجزائر، في صراع مع الجمعيات التركية التي تحاول الهيمنة على إدارات المساجد، حتى لو كان الأمر يتعلق بـ «گاراجات» أسفل العمارات السكنية في المدن والقرى الفرنسية. بالإضافة إلى مساجد أخرى يتردد عليها المغاربيون بالإضافة إلى الأقليات التي لا تتحدث العربية مثل الأكراد وأقليات أخرى تعتنق مذاهب تمارس الشعائر الدينية بطرق مختلفة.
الانقسامات الداخلية الحادة التي تحدث عنها التقرير الفرنسي لا تخرج عن هذا النوع من «الخلافات». بل إن أطرفها ما وقع مرة في مسجد صغير جنوب فرنسا، اختلف مُرتادوه على الاسم الأنسب بعد انتهاء أشغال بنائه، وتزيينه بالزليج المغربي، إذ أراد بعض الجزائريين أن يكون الاسم بعيدا عن الثقافة المغربية في حين أن المسجد كله قد بُني على الطريقة المغربية.
رئيس المجلس محمد موساوي، صرح للإعلام الرسمي الفرنسي قائلا إن المؤسسة التي أنشئت سنة 2003 في عهد الرئيس ساركوزي، لم تعد قابلة للاستمرار وينبغي أن تحل نفسها، بسبب ما أسماه «أجواء التوتر التي تسود العلاقات بين الأطراف التي ظلت طيلة هذه السنوات تشكل مكوناته وتتناوب على تسييره».
وقع اختلاف بين مكونات المجلس، عندما رفضت ثلاثة اتحادات داخله، التوقيع على ما سُمي «ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي» الذي دعت إليه الحكومة الفرنسية. وكان حريا مثلا أن يُسموه ميثاق الإسلام في فرنسا، وليس الإسلام الفرنسي، لأن الأشياء الوحيدة التي تُنسب للدول هي الطعام والموسيقى وليس الدين.
هذا الميثاق الفرنسي كان يقضي بمنع تدخل أي دولة أجنبية في تسيير الشأن الإسلامي في فرنسا، ويؤكد على ضرورة أن يتماشى الإسلام مع مبادئ الجمهورية الفرنسية.
صراع من هذا النوع يشبه دوران طواحين الهواء لتحريك دواليب مطحنة بدون حبوب. أو كما يقال: جعجعة بدون طحين.
اليمين الفرنسي كان دائما ضد أي عمل مؤسساتي لمسلمي فرنسا ومصالح مسلميها، واستثمار الخلافات بين مكونات المجلس لحله ليس إلا رصاصة أطلقها صاحبها من مسدس موجود في جيب السروال. أي طلقة أخرى، قد تصيب القدم، بعد أن حاولت الطلقة الأولى أن تثقب الحذاء فقط.
يونس جنوحي