طلبت 25 ألف باوند مقابل “ماكلين” لأعيد بناء داري المدمرة بالحرب
يونس جنوحي
“عندما وصلتُ إلى دار الباشا، وبينما كان الموسيقيون يعزفون ويلعبون فرحا لأنهم نجوا من المذبحة التي توعدتهم بها قبيلة “أحماس”، توجهتُ إليهم بالسؤال:
-أين ابن عمي؟
أجابوني:
-إنه مريض ويلزم داره.
وهكذا أرسلتُ إليه ساعيا ليسأله:
-لماذا لم تأت لاستقبالي؟ ألست فردا من عائلتي؟
فأرسل إلي الجواب مع بعض عبيده:
-لم أكن أريد أن آتي إليك مع عامة الناس، لأنني أكبر منك سنا. وليس من الصائب لرجل بلحية يكسوها الشيب مثلي، أن يزعج نفسه من أجل شاب. لكن إذا كنت سوف تستقبلني لوحدي، فسوف آتي إليك مع منتصف الليل، عندما تكون البلدة هادئة.
أجبتُه:
-داري مفتوحة لك، ومرحبا بك في أي ساعة.
فجاء عندما حل الظلام، وجعلته يجلس في مكان ضيوف الشرف، ثم خاطبتُه:
-أنت الذي كنت تترأس الجيش ضدي، صحيح؟
-نعم صحيح. أنا أعمل مع الحكومة ومن واجبي أن أطيع أوامر مولاي السلطان.
-إذن أنت من كان يتعين عليه أن يحتجزني سجينا لكي أموت وأتعفن داخل زنزانة موحشة؟
-نعم، لقد كانت نيتي فعلا أن أعتقلك وأضع السلاسل حول عنقك وأحملك إلى فاس. لكن الله لم يُبح هذا الأمر.
-والآن.. وأنت معي هنا في قلب الدار، في حماية سلطتي، هل تقر أنني هزمتك؟
-نعم، هذه مشيئة الله وهذا ما أراده. لقد وضعتَ رجلك على رقبتي.
-إذن يجب أن يحل السلام بيني وبينك. لأنه ليس من الجيد أن تكون هناك حرب بين أبناء العائلة الواحدة.
-كما تُريد.
-سوف أعينك خليفة لي هنا، وسوف تحكم باسمي.
-والله لن أبقى هنا، لأن الناس إذا رأوا أنني هُزمت فسوف يتصرفون معي بشكل غير لائق ولن يرغبوا حتى في تحيتي في الطرقات.
عندما سمعتُ هذا الكلام، استدعيت كبار شخصيات البلدة وقلتُ لهم وأنا أرى ابن عمي جالسا على يميني في مكان الضيوف الكبار:
-هل تعرفون هذا الرجل؟
أحس الناس بالخوف وبدؤوا يصيحون:
-إننا نعرفه جيدا، إنه فقيهنا، وقائدنا العزيز وابن عمك الشريف.
صاح فيهم مولاي الصدّيق وقد تملكه الغضب:
-أنتم تكذبون! فقط لأنكم ترونني الآن في هذه المنزلة، أردتم غسل أخطائكم معي وتجاهلكم لي سابقا.
لكني قاطعتُه:
-.. لكن من الآن فصاعدا، أرواحهم بين يديك، لأنك سوف تصبح حاكما عليهم باسمي.
وهكذا سُوي الأمر”.
يبدو أنه من تلك اللحظة، أصبح ابنا العمومة حلفاء مقربين. وحاز مولاي الصديق على مناصب مهمة في حكومات الشريف.
واصل الريسوني الحكاية:
“كان ماكلين لا يزال سجينا عندي لعدة أشهر أخرى. عندما رافقني إلى الجبال كان الجو ربيعا. لكن عندما رحل كان الفصل شتاء. حكومتكم كانت بطيئة أثناء دفع الفدية، ولم تكن هناك أموال في خزينة السلطان. كان الطريق إلى تطوان طويلا. وقلة فقط كانوا يجرؤون على لعب دور الوساطة للتفاوض ونقل الرسائل.
كان ماكلين صديقا لي. وكنا نمارس الصيد معا، حتى أنني أرسلت إلى المدينة من يحضر تلك الانابيب الضخمة المشدودة إلى ما يشبه الوسائد، وتكون مملوءة بالهواء. مثل تلك التي يستعملها أبناء شعبه. كانت تصدر الضجيج أكثر مما تصدر الموسيقى. وحتى العبيد السود لم تكن أصواتهم تُسمع عندما يغنون معها.
كانت هناك رسائل كثيرة بيني وبين الحكومة.
كل واحد يريد الإيقاع بالآخر. قلت لهم إنني سوف أرسل إليهم رأس ماكلين، وهو ما لم أكن لأفعله أبدا، لأنه جاء معي منذ البداية ضيفا عندي. هددوا بأن يرسلوا لي قوات من بريطانيا لإنقاذه. والله إن الطريق إلى “أحماس” كانت طويلة، لذلك لا أحد منا صدق الآخر. لقد كنت متعبا من خوض الحرب. وكنت أريد أن أعيد بناء منزلي الذي تعرض للدمار. لذلك طلبتُ فدية مقابل ماكلين وحماية الإنجليز وخمسة وعشرون ألف باوند من أموالكم. بالنسبة لبلد عظيم، فإن هذا المبلغ كان ضئيلا جدا. من المعروف أن ثروة بلادكم لا يمكن إحصاؤها. لكن كانت هناك صعوبات كبيرة، وماكلين لم يكن يريد أن يساعدني. وبعد فترة لم نعد أصدقاء أبدا بسبب هذه القضية. ولأنه كان يفكر مثلهم، قلتُ له:
-أنت تعرف حيل حكومة بلادك. اكتب لهم رسالة تحركهم.
لكن رفض. فقلتُ له:
-والله إنك سوف تكتبها قبل أن تنام.
فغضب وغادر الغرفة. فأرسلت إليه فرقة من عازفي الطبول، وقفوا أمام باب غرفته، وأمرتهم بأن يقرعوا طبولهم.
لقد أصدروا ضوضاء عظيمة طوال الليل وخلال اليوم الموالي أيضا. ثم بعدها أرسلت إلى ماكلين وقلتُ له:
-بدون نوم، لا يستطيع الرجل القيام بأي شيء. وليس من السهل أبدا النوم بجانب الموسيقى.
لقد كان الغضب يسيطر عليه، فقال لي:
-اقتلني! ودعنا ننتهي من هذا الخداع والتربص.
لكنني أجبته:
-إنه ليس من أخلاق المغاربة أن يقتلوا ضيوفهم. حياتك في أمان. عد إلى مكانك وفكر في أن تكتب الرسالة إلى حكومتك”.
وتواصل قرع الطبول مجددا طوال الليل. وفي الصباح أرسلتُ الرجال لكي يتحدثوا إلى ماكلين، لكنه لم يجبهم. فقد دلى رأسه أمامهم وعيناه كانتا حمراوين”.