شوف تشوف

الرئيسية

طفولة صعبة ومعاداة للسامية ورؤية الأخ بعد فتح شركة تصدير اللوز المغربي لأمريكا – 4

فيكتور المالح.. من أزقة «موكادور» إلى ناطحات السحاب بنيويورك (1918-2014)

بين العمارات المشيدة الجديدة والعمارات السكنية والأخرى التي تحولت إلى مقرات دولية شهيرة شركات الاتصالات والسينما والأبناك.. كان فيكتور المالح يترنح مع أقرانه وهو في سن الثامنة.
ترعرع إذن وسط جيل جديد من المهاجرين. جدته المغربية التي كانت تخاطبه بلسان المغاربة حتى لا ينسى من أين جاء، وإنجليزيتها المكسورة التي كانت تستعين بها لقضاء أغراضها اليومية.
من هذا الوسط «المتدني» استطاع فيكتور المالح أن يصل إلى القمة ويلقن الأمريكيين «الشقر» دروسا عميقة في الحياة.

كدت أن أحترف البيسبول!
أبان فيكتور المالح عن مواهب في الرياضة. كان يميل إلى كرة اليد التي سوف يقطع فيها أشواطا متقدمة، لكن كان هناك احتمال آخر بأن يحترف البيسبول. كشف في مذكراته الشفهية التي سجلها «قصص النيويوركيين القدامى» أو ONS المتخصص في تسجيل قصص الناجحين النيويوركيين ممن تجاوزت أعمارهم التسعين، أنه كان يلعب مع لاعب البيسبول الأمريكي الشهير «تومي» الذي ساهم في صناعة تاريخ ومجد فريق «شجعان بوسطن».
ترى لو أكمل فيكتور المالح في لعبة البيسبول، لربما صار من رموزها في أمريكا. سيراكم أموالا من وراء اللعبة بالتأكيد، لكنه لن يكون فيكتور المالح الذي كان.
يقول: «كان هناك ملعب بسيط في الحي. جدار خشبي وأرض من الإسمنت على الجوانب. هناك قضيت معظم أوقات فراغي إلى حدود سنة 1936 في تعلم لعبة كرة اليد. كنت ألعب مع الإخوة «فيلاتيكو» وروكي وبيوي، بادي أنوراتو وتومي هولمز.
لقد كان مُفاجئا بالنسبة لي أن أقبل من طرف المعادين للسامية. لكن أعتقد أن قدراتي في اللعبة جعلتني أكون مقبولا. تومي كان لاعبا جيدا لكرة اليد، ولاحقا حظي بمسار مهني رائع في مجال البيسبول مع فريق شجعان بوسطن ثم مع الـ«ميتس». أعتقد أنه حقق أرقام ضربات قياسية في اللعبة والتي حطمت مؤخرا من طرف بيت روز.
للأسف لم أتمكن من رؤيتهم مجددا مرة أخرى عندما رحلت من الحي. لكن في إحدى المرات، بعد سنوات طويلة جدا. كنت مع زوجتي «سونو» لكي تقدم عرضا تلفزيونيا في أعياد الميلاد خلال احتفالات رأس السنة، باستوديو في «فلاتبوش». كنت جالسا في الزاوية بعيدا عن طاولات العشاء. ومن كان مفترضا أن يجلس بجانبي؟ إنه «بادي أنوراتو». قال لي: «أهلا فِك»، كما كان يناديني أيام الصبا. أتأسف كثيرا على عدم التواصل مع «تومي» خلال كل هذه السنوات.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتأسف فيها فيكتور المالح على عدم التواصل مع وجوه من حياته القديمة عندما وصل إلى العالمية. ففي المرحلة التي كان يصطحب فيها زوجته لكي تقدم عروضها على التلفزيون، كان هو وقتها قد وصل إلى العالمية في عالم المال والأعمال وحقق شهرة كبيرة بعد أن قرر دراسة الموسيقى، ثم قلب الدفة في اتجاه الهندسة، وخاض معارك مع والده لكي يتزوج يابانية رغم أنه يهودي الديانة، ثم يتألق في عالم العقار ويبيع مشاهير السينما إقامات فاخرة في منطقة «بيفرلي هيلز». لكن قبل ذلك دعونا لا نحرق المراحل. ففيكتور المالح الذي لم يُصبح لاعب «بيسبول» محترف كرفيق طفولته «تومي» لم يصبح بطلا أمريكيا في الرياضة، رغم أنه كان يتوفر على كل المؤهلات.

فيكتور لم يكن خجولا من «فقره»
صحيح. فيكتور المالح لم يكن أبدا خجولا من أيام الفقر القديمة التي قضاها في بروكلين، حيث كانت تبدو ناطحات السحاب في مركز نيويورك بعيدة، وقريبة في نفس الوقت. كان هناك فرق بين الحي الذي تربى فيه، حيث الأتربة والمهاجرون وصياح الباعة والأطفال المتسخين الذين يلهثون وراء الكرة طيلة اليوم، ومركز نيويورك حيث اللوحات الإشهارية والموظفون ورجال الأعمال الأمريكيون من أصول أوربية. هؤلاء الذين كانوا يقصون أمثال فيكتور المالح القادم من المغرب.
يواصل: «كان عدد أفراد أسرة جدي وجدتي كبيرا. لذلك كنا نشغل الدور العلوي والسفلي من الشقة، ولأن الشقة التي كانت بجانبنا كانت فارغة، فقد كنا نستعمل أيضا الممر المشترك والباحة الخلفية لكي نحصل على مساحة إضافية. أتذكر أنه كانت تقطن في المنزل الآخر أمامنا عائلة كان اسمها «بيرمان».
كان رقم منزلنا هو 1712. ورقم الشارع 62. بين الجادتين 17 و18. في جانب الجادة السابعة عشرة، كانت هناك سلسلة من البنايات القديمة مبنية بحجارة رمادية، كان يقطنها إيطاليون. منزلنا لم يكن في الزاوية، لكنه كان الأول في صف البنايات. وكانت هناك مساحة أرضية فارغة تمتد إلى الجادة السابعة عشرة.
كان المزارعون الإيطاليون يستغلون تلك المساحة ويزرعونها (..). عندما لا تكون تلك الأرض مزروعة نستغلها للعب البيسبول. وفي إحدى المرات تسببت رمية خاطئة في كسر نافذة منزلنا. ولم نكن نستطيع تأمين مبلغ اقتناء كرات أخرى، فكان الحل هو أن يتم ربط الكرات الصغيرة التي نلعب بها، وهو ما يجعلها أصغر، وفي كل مرة تُربط تفقد حجمها إلى أن تختفي تماما.

أجواء أحياء المهاجرين خصوصا اليهود في ضواحي نيويورك خلال منتصف ثلاثينيات القرن الماضي

عائلة تبدأ «البيزنيس»
في الوقت الذي كان فيه فيكتور المالح منهمكا في اللهو مع أطفال في مثل سنه، وطيلة مرحلة 1926 إلى 1936، لم يكن يعرف عن الحياة سوى الملعب الصغير في الزاوية حيث يجري وراء أنواع من الكرات. كرة اليد والبيسبول الأمريكي، ما لم يقم المزارعون الإيطاليون بحرث تلك الأرض.. كان خاله قد بدأ ولوج عالم المال والأعمال. جدته المغربية نجحت في حث أبنائها في نيويورك على البقاء أوفياء لأصولهم المغربية، على طريقة يهود الصويرة. لكن فيكتور المالح كان قد عاش طفولته كلها بعيدا عن والدته وإخوته الصغار، وحتى عن والده رفاييل المالح.
لم يكن سهلا عليه، رغم أنه كان منهمكا في استكشاف الحياة الأمريكية، أن يبقى بعيدا عن والده. قال في لحظة صفاء أثناء استرجاعه للذكريات، إنه لم ير أخاه «ليونارد» الذي ولد في أمريكا وعاد مع أمه إلى الصويرة، إلا عندما فتح مكتبا لاستيراد اللوز المغربي إلى أوربا وأمريكا. بشراكة مع خاله «جاك». يقول معطيا بعض التفاصيل عن الموضوع: «كان ليونارد يأتي مرة في السنة عندما فتح مكتبا مع خالي جاك لتصدير اللوز المغربي الممتاز إلى أوربا وأمريكا. كان يحصل من المزارعين المغاربة على اللوز الذي يجلبونه في أكياس على ظهور الحمير». يتولى مكتب ليونارد تصدير اللوز من الميناء نحو وجهات أوربية، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، حيث فتح فرعا في نيويورك، وبالتالي أصبح يأتي إلى أمريكا مرة في السنة.
اقترب فيكتور المالح من بداية حياة الدراسة الثانوية. لقد قضى مرحلة الدراسة الأولية كلها بعيدا تماما عن والديه في المغرب. ولم يكن يعرف سوى أسرة جديه لأمه، حيث كان يعوض النقص والفراغ العائلي الكبير.
سوف يكون في مرحلة الثانوية، على موعد مع أحداث فاصلة سوف يلعب فيها والده دورا كبيرا، والذي جاء خصيصا من المغرب على متن سفينة لكي يوجهه إلى الاختيارات الصائبة.
لم يكن سهلا على يافع كان يحب لعبة كرة اليد ويلعبها بشغف كبير في الحي والمدرسة، أن يكتشف وجود والده واهتمامه الكبير بمستقبله.. مستقبل سوف تتحدث عنه لاحقا الولايات المتحدة كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى