طعنة في عنق كاتب
ياسر عبد العزيز
أقدم شخص على طعن الكاتب بريطاني الجنسية وهندي الأصل، سلمان رشدي، في عنقه، فيما كان يتهيأ لإلقاء كلمة بمحفل ثقافي، في نيويورك بالولايات المتحدة.
هى إذن طعنة في عنق رشدي، تلقاها من أحد الموتورين على الأرجح، بسبب آرائه التي تتضمنها كتبه، خصوصا أنه كان قد أصدر كتابا بعنوان «آيات شيطانية» عام 1988، وهو الكتاب الذى كان سببا في اتهامه بالتجديف والإساءة للمقدسات الإسلامية، وأصدر بسببه المرشد الإيراني الراحل آية الله الخميني فتوى بقتله، وخصص لذلك مكافأة قدرها ثلاثة ملايين دولار أمريكي.
صحيح أن الحكومة الإيرانية نأت بنفسها عن تلك الفتوى لاحقا، لكن إحدى المنظمات أعلنت تبنيها لها، وأعادت التأكيد على صرف المكافأة المالية الضخمة لمن يقتل رشدي، عقابا له على كتابه، الذي اعتبر تجريحا وطعنا في المقدسات الإسلامية.
تذكرنا تلك الواقعة بما سبق أن حدث مع كاتبنا الكبير الأستاذ نجيب محفوظ، الذي تعرض أيضا لطعنة في رقبته من شابين إرهابيين، بسبب رواية «أولاد حارتنا»، التي ظهر لاحقا أن أيا منهما لم يقرأها.
كان محفوظ قد سُئل عن واقعة تخصيص مكافأة لقتل رشدي، في حوار أجرته معه مجلة «باريس ريفيو»، قبل ثلاثين سنة، حيث سألته المجلة: «ما رأيك في حالة سلمان رشدي؟ هل ترى أنه يجب على الكاتب أن يُعطى الحرية المطلقة؟». لم يكن محفوظ قد تعرض للطعن في رقبته عند إجراء ذلك الحوار، ومع ذلك، فقد جاءت إجابته عميقة ومُدركة ومُستشرفة كما كان دأبه، حيث قال: «سأخبرك بالضبط عما أفكر به: لكل مجتمع تقاليده، وقوانينه، ومعتقداته الدينية، التي يحاول الحفاظ عليها. ومن وقت لآخر يظهر أفراد يطلبون التغيير. وأظن أنه للمجتمع الحق في الدفاع عن نفسه، مثلما للفرد الحق في الهجوم على ما لا يتوافق معه. وإن توصل كاتب إلى نتيجة مفادها أن لمجتمعه قوانين أو معتقدات لم تعد صالحة، أو حتى ضارة، فواجبه أن يجهر بكلامه. لكن عليه أيضا أن يستعد لدفع ثمن صراحته. وإن لم يكن مستعدا لدفع هذا الثمن، فعليه أن يختار أن يظل صامتا. والتاريخ مليء بمَن راحوا إلى السجن، أو أُحرقوا، بسبب مخاطرتهم بالإعلان عن أفكارهم».
لقد أدرك محفوظ أن الكاتب يمكن أن يدفع حياته ثمنا لإبداء رأيه، وبالفعل تلقى طعنة في عنقه، بسبب تصور البعض أنه «أهان مقدسا»، لكن تلك الطعنة أضافت مجدا جديدا إلى أمجاد محفوظ، الذي قدم مثالا نادرا للمبدع والمفكر ثاقب النظر والمستعد لدفع تكاليف ما يكتبه ويؤمن به.
ورغم أن موهبة رشدي لا تحظى بالإجماع أو الاتفاق نفسه الذي تمتع به محفوظ، فإن هذا الأول دفع تسع سنوات من عمره مختبئا بسبب التهديد بقتله، وعندما خرج إلى العالم كان أحد الموتورين في انتظاره ليعاقبه على ما كتب.
يقدم هؤلاء الإرهابيون، الذين يعاقبون على الكلمة بالذبح، دليلا جديدا على ارتقائهم أعلى مراتب الغباء الإنساني، لأنهم يسيئون أكبر إساءة إلى القيم التي يدعون أنهم يدافعون عنها، ويقدمون أكبر خدمة لـ«أعدائهم» من المفكرين والكُتاب المختلفين معهم، إذ يركزون الأضواء على إبداعاتهم، ويروجون لها أعظم ترويج، أو يحولونهم إلى أبطال وشهداء للكلمة والضمير الحر.