طرائف الحوار الاجتماعي مواقف طريفة من جلسات حوار جاد بين الحكومات والنقابات
منذ عقود خلت، كان الزعيم النقابي المحجوب بن الصديق يؤكد أن دور النقابيين في جلسات الحوار الاجتماعي هو الدفاع عن «خبز» الطبقة العاملة، دون الخوض في الشأن السياسي. ويرى كثير من المحللين للشأن النقابي أن الحوار الاجتماعي يجب أن يفضي إلى اتفاق اجتماعي، يدفع بالحوار إلى الأمام، ويجعل التواصل عنوانا لعلاقة المجتمع بالحكومة.
من هذا المنطلق، يصبح الحوار بين الفاعل النقابي والسياسي خطوة إلى الأمام في طريق السلم الاجتماعي، في زمن انعدمت فيه الثقة بين المواطن والحكومة، وأصبح رفع الأجور أبرز نقط الحوار، لكن الحكومة تواجه الملف المطلبي بالتوازنات المالية، والتداعيات الخارجية والمتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية واحتقان الشرق الأوسط.
في الحوار الاجتماعي، هناك ثلاثة أطراف رئيسية، الحكومة كمكون سياسي، والنقابة كمكون عمالي اجتماعي ثم اتحاد المقاولات كصوت للمشغلين. من هذا المنطلق لا تمر ولاية حكومية دون توقيع اتفاق حوار اجتماعي.
رسميا يمكن القول بأن الحوار الاجتماعي في حلته الجديدة بين الحكومة والاتحاد العام للمقاولات والنقابات، قد بدأ سنة 1994، تنفيذا لتوجيهات الملك الراحل الحسن الثاني، في فترة كان المغرب مهددا بالسكتة القلبية.
بين الثالوث المشكل لجلسات الحوار الاجتماعي، هناك لحظات احتقان وشد حبل واتهامات بالمزايدات السياسية وبالمطالب التعجيزية وعدم مراعاة الظرفية الاقتصادية وبالجفاف والحروب، وحين يفشل الحوار يخرج المواطن إلى الشارع من جديد.
في هذا الملف رصد لأبرز المواقف الطريفة التي شهدتها جلسات الحوار الاجتماعي، من خلال تصريحات وتسريبات واعترافات خارج السياق الرسمي.
حين قال بنكيران للنقابيين: «اذهبوا إلى البحر وارحلوا إلى الغابة»
في زمن رئاسة عبد الإله بنكيران للحكومة، قرر زعيم حزب العدالة والتنمية القطع مع الحوار الاجتماعي، وأصر على السخرية من احتقان الشارع ومن العمل النقابي ومن التظاهرات العمالية، بل إنه علق ذات مرة خلال عبوره في جلسات المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، على المسيرة التي نظمتها النقابات بالدار البيضاء، بطريقة تهكمية حين قال: «هناك مشاركون في اللقاء النقابي ذهبوا إلى البحر، والبعض الآخر ذهب إلى الغابة». شكل هذا التصريح إساءة صريحة للعمل النقابي وسخرية واضحة من مطالب الشغيلة.
في عهد بنكيران، أغلق باب الحوار الاجتماعي، وفي فترة ولايته لم يتم تحقيق أي مطلب يذكر، وتمت مقاطعة احتفالات عيد الشغل خاصة من النقابات الثلاث: الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، بل إن مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة حينها، فاجأ الجميع حين صرح: «لا زيادة في الأجور». وأصبحت حكومة بنكيران هي الحكومة الوحيدة التي لم توقع على أي اتفاق اجتماعي، وهي الاستثناء. كان بنكيران يجد في جميع مداخلاته أمام النقابيين، عشرات المبررات لتبرير ترشيد النفقات، قبل أن يكتشف المغاربة كيف يستفيد الرجل من معاش استثنائي.
في عهد لاحقه سعد الدين العثماني، سجلت المركزيات النقابية حدثا يدعو للسخرية، حين قدم رئيس الحكومة عرضا جديدا بمضامين قديمة، أي أنه أعاد قراءة نفس الورقة التي سبق أن تلاها على مسامع النقابيين مع تعديل في التاريخ فقط.
في اليوم الموالي، كتبت صحيفة الاتحاد الاشتراكي مقالا تحدثت فيه عن بيان مكرر: «لقد أعاد العثماني أمام النقابات، نفس العرض الذي كان يقدمه ما قبل خطاب العرش، وقبل توجيهات الملك للحكومة بضرورة الجلوس مع النقابات وتحريك الحوار الاجتماعي في أقرب الآجال، العثماني أتى إلينا حاملا نفس مضمون العرض القديم ويحاول تمريره علينا، لقد بسط أمام النقابات عرضه وبحذافيره الذي كان قد طرحه على النقابات خلال شهر أبريل الماضي».
في جلسة الحوار، مسح سعد الدين الأزمة المالية في الميزانية العامة للدولة المنهكة، مؤكدا أن انعكاسات الحوار الاجتماعي قد استنزفت خزينة الدولة، فضلا عن المغادرة الطوعية الذي اتخذته حكومة جطو سنة 2004، والتي استنزفت ميزانية ضخمة. وقال العثماني إنه غير مستعد لمجاملة النقابات وإغراق البلاد اقتصاديا.
موخاريق.. الملياردير الذي يدافع عن خبز الفقراء
في جميع مداخلاته، يتحدث الميلودي موخاريق، زعيم نقابة الاتحاد المغربي للشغل، عن البرنامج النضالي وعن تبنيه آلية الاحتجاج في الشارع العام من أجل الضغط على الحكومة. لكن النقابي البسيط الذي يعول على الميلودي للدفاع عن حقوقه، يعلم أن المثل القائل: «ما حاس بالمزود غير المضروب به»، لا يتلاءم مع وجود مدافع شرس بحسابات بنكية تعاني من السمنة الزائدة.
لذا يتساءل كثير من الغيورين على القطاع النقابي: «ما الذي يفعله ثري مغربي اسمه الميلودي موخاريق على رأس الاتحاد المغربي للشغل مع الطبقة الكادحة ومع العمال ومع مزاليط هذا الوطن؟ المكان الطبيعي لموخاريق الذي يملك ثروة لا تغرب عنها الشمس هو ليس على رأس نقابة فيها الكثير من النقابيين النزهاء الذين يستحقون هذا المنصب».
في ظل هذا الوضع، أصبح الحوار الاجتماعي «مشوها»، إذ نادى البعض بوجوب جلوس موخاريق في صف باطرونات الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى جانب شكيب لعلج الذي يرأس هذا التجمع المقاولاتي. هذه المفارقة الغريبة في المشهد الاجتماعي حولت نقابة عمالية عريقة إلى «ذراع أيمن لدعم زواج المال بالسلطة ضد الفئات الهشة من الشعب».
لكن كيف استطاع هذا النقابي أن يصبح زعيما، وهو الذي بدأ مشواره المهني مكونا بسيطا في مراكز التكوين المهني، قبل أن ينال شهادة من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، ويؤسس أول نواة نقابية بهذا القطاع تابعة للاتحاد المغربي للشغل، بعد أن نام التكوين المهني طويلا على وسادة الاتحاد العام للشغالين. وفي دجنبر 2010 سينتخب كاتبا عام للاتحاد المغربي للشغل، وعلى امتداد ثلاثة عشر سنة سيحرص الرجل على التمسك بكرسي الوجاهة النقابية، ومن أهم إنجازاته الدفاع المستميت على منحة الحكومة المخصصة للنقابة والتي لا يقربها مفتشو مجالس الحسابات.
الأموي يرد على سخرية البصري حين لقبه بـ «الحاج»
بالرغم من انتماء النقابي نوبير الأموي وخصمه إدريس البصري لنفس الإقليم، إلا أن الصراع بين الرجلين ظهر في سيناريوهات عديدة. كان نوبير أحد القلة الذين كانوا يعرفون كواليس النقاشات النقابية مع الحكومات في إطار الحوار الاجتماعي لأزيد من أربعين سنة، منذ عهد أحمد العراقي، وكريم العمراني ثم مع أحمد عصمان فالمعطي بوعبيد وعز الدين العراقي، وصولا إلى حكومة عبد الرحمن اليوسفي، حيث كان نوبير الأموي حاضرا بقوة في تجربة التناوب ممثلا للنقابة في مناقشة الملفات المطلبية الاجتماعية مع اليوسفي.
التحق الأموي بتلك التجربة التي شكلت العتبة الأولى لدخوله عالم النقابة. لكنه كان متمردا، بحسب عدد من الشهادات، وكانت لهجته، بحكم انتمائه القبلي إلى نواحي سطات، تضفي على شخصيته نوعا من «الكاريزما» المطلوبة في تلك المواقف الخشنة، وسرعان ما أصبح غير مرغوب فيه من طرف القيادات، لقدرته على نسف الاتفاقات المطبوخة.
في عز الاحتقان، وحديث نقابة الاتحاد المغربي للشغل عن ترشيد الإنفاق الحكومي، فاجأ الأموي زميله المحجوب بن الصديق، بسؤال حول إشاعة ترددت في الدار البيضاء بخصوص اختفاء أموال من خزانة تابعة للنقابة، ولم يجرؤ أحد على مناقشة الموضوع علنا لأن الأموال التي اختفت كانت تحت يد شخصية مقربة جدا من المحجوب بن الصديق في الدار البيضاء. لكن الأموي أثار الموضوع فوق مائدة العشاء بحضور القيادات من أجل التنسيق القبلي لحوار اجتماعي، وبدأ الموضوع قائلا: «هادوك الفلوس ما هداكمش الله تقولو شكون خداهم». لكي يشرع الجميع في مداراة توترهم وانفعالهم، لأن القضية لم يكن يراد لها أن تخرج إلى العلن حتى لا تهاجم بسببها النقابة التي كانت تنادي باسترجاع الأموال المنهوبة.
في أول لقاء بين إدريس البصري ونوبير الأموي، بعد خروج هذا الأخير من السجن سنة 1993، جرى نقاش ظريف بين الطرفين، إذ هنأه إدريس البصري أمام الحاضرين لكن سماه بالحاج نوبير، فأجابه الأموي على الفور: «أعتقد أنك تقصد بالحج السجن الذي وضعتموني فيه، فلا بأس إذن». لكن البصري لم يعلق على جواب نوبير الأموي، إلا أنه حمل كأس الماء الذي كان موضوعا أمامه وقال: «شوف آسي نوبير هاد الكأس خاصنا نصفيوه باش نكونو نقدروا نشربوا الما اللي فيه، وأظن أننا اليوم جميعا في مهمة وطنية تقتضي أن نتحلى جميعا بمشاعر الوطنية والوفاء، وأنت رجل وطني خالص وكذلك سي عبد الرزاق أفيلال، ما شفنا منكم غير الخير».
الكنفاوي.. المفاوض الذي كان الحسن الثاني يعتزم تعيينه وزيرا للشغل
ولد عبد الصمد الكنفاوي في مدينة العرائش سنة 1928، وهي المدينة التي تعلق بها أديب يتقاسم معه الهوس الأدبي هو «جان جيني» الذي اختار مرقده النهائي على ربوة مطلة على المحيط الأطلسي. هكذا عشق عبد الصمد العرائش وحجز لها مكانا في قلبه، حتى حين انتقل إلى الرباط لاستكمال تعليمه بثانوية مولاي يوسف، وظل يعيش بين الرباط والعرائش إلى أن حصل على شهادة الإجازة في القانون سنة 1951.
لكن بعد حصول المغرب على الاستقلال شرعت أول حكومة في رصد الكفاءات المغربية، فكان نصيب عبد الصمد منصب ديبلوماسي رفيع، إذ عين ملحقا ثقافيا في قنصلية المغرب ببوردو، إلا أن الرجل ظل يتردد على مسارح بوردو وباريس وستراسبورغ ثم موسكو، إضافة إلى مرور عابر ببوينيس أيريس.
في سنة 1961 شارك عبد الصمد في إضراب تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، احتجاجا على طرد مجموعة من الديبلوماسيين، ولأن الإضراب حسب «المخزن» ليس من «شيم القناصلة»، فقد غضبت الخارجية من الكنفاوي وغضب هو أيضا منها ليتم تسريحه، ويعود سعيدا إلى الخشبة، لكن اسمه كان ممنوعا من الإذاعة.
عاد الكنفاوي إلى المناصب الحكومية بعد أن هدأت غضبة «المخزن»، وتقلد منصبا قياديا في مكتب التسويق والتصدير، وعين كاتبا عاما في فترة ثانية بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دون أن يدير ظهره للمسرح حيث ظل يقضي لياليه في كتابة أعمال خالدة، منها ما تعرض للمصادرة مما زاد من غضبه خاصة مسرحية «بوكتف»، التي منعت من البث الإذاعي بسبب تأويلات حول شخصية بوكتف الرئيسية، بل إنه بنزعة التمرد التي كانت تسكنه، أثار قلقا في وسط الفرقة المسرحية وكان أول من طلب تعويضات لعناصر المجموعة من مالية الإذاعة، مقابل تقديم مسرحية على الأثير.
كان الرجل بوهيميا يسهر الليالي وهو يحاور ملكة إلهامه، وهو ما دفع الملك الحسن الثاني إلى أن يقول لأرسلان الجديدي، حين كان هذا الأخير وزيرا للشغل، «لو لم يكن عبد الصمد بوهيميا لعينته بدلا عنك على رأس قطاع الشغل».
ومن المفارقات الغريبة في حياة عبد الصمد الكنفاوي أنه لم يكن يعول على تعويضات المرض التي يدفعها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لفائدة المنخرطين، بل إنه كان يقتص نفقات شراء الأدوية باهظة الثمن من ماله الخاص، علما أن منصبه كأمين عام للصندوق يعفيه من مثل هذه المصاريف المكلفة، فقد كانت مبادئ عبد الصمد تمنعه من استغلال منصبه في العلاج المجاني، رغم أن ذلك من صميم اختصاص المؤسسة التي كان يشرف عليها. لكن أم المفارقات أن يطالب بتمكين عناصر فرقة المعمورة من التغطية الصحية، دون أن يكون صاحب المقترح يتمتع بهذا الحق.
حين قال الوفا لأرباب المدارس الخصوصية: كري شقة ولونها وها أنت باطرون
تولى محمد الوفا منصب وزير التربية الوطنية في حكومة عبد الإله بنكيران، التي تشكلت في نونبر سنة 2011. وعلى إثر تعديل حكومي سنة 2013، بعد قرار حزب الاستقلال مغادرة الحكومة، قرر الوفا البقاء في تشكيلة الحكومة رافضا قرار حزبه الانسحاب منها. وتمسك رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران به فاقترحه وزيرا في حكومته المعدلة، فعينه العاهل المغربي الملك محمد السادس وزيرا منتدبا مكلفاً الشؤون العامة والحكامة.
لم يبال الوفا بغضب الأمين العام السابق للحزب حميد شباط، وسخر من قرار إقالته من الحزب، لكنه مع ذلك أصر على أنه ما زال منتميا للحزب، وبقيت له علاقات شخصية قوية مع أعضائه ومناضليه.
عاش الرجل أجواء الحوار منذ أن كان شابا، إذ تولى منصب الكاتب العام للشبيبة الاستقلالية ما بين عامي 1976 و1984 وترأس الاتحاد العام لطلبة المغرب، ونظرا لنباهته وقدرته على الإقناع عين في أكثر من منصب ديبلوماسي في الهند وإيران والبرازيل.
برز اسمه خلال مشاورات تشكيل الحكومة قبل أن يتولى حقيبة وزارة التربية الوطنية، وبصم الحياة السياسية والحزبية بمواقفه الجريئة التي لم تكن تخلو من سخرية بلكنته المراكشية المثيرة.
في حواراته مع النقابات ومع أرباب المدارس الخصوصية، الذين قال لهم يوما في اجتماع رسمي: «يكفي أن يكتري شخص ما طابقا في منزل أو عمارة معدة أصلا للسكن، ويرسم «نونوسات» وبعض الحيوانات على الجدران، ليصبح رب مدرسة خصوصية».
انتبه محمد الوفا إلى كون بعض النقابات مجرد مقاولات للمتاجرة بالملفات، وكان لا يتردد في التصريح بذلك ما جلب له غضب نقابة محمد يتيم الذي وصف الوفا بالديكتاتور.
محجوبة الزوبيري.. المرأة التي رافقت أفيلال في أصعب جلسات الحوار
خلافا لزوجات النقابيين، لم تكن محجوبة مجرد زوجة لرئيس مركزية نقابية وحرم رئيس مجلس جماعة عين السبع لفترة طويلة، ورئيس للاتحاد البيضاوي، بل كانت تعيش المسؤولية السياسية والنقابية بكل تفاصيلها، بعد أن دخلت غمار التجربة الانتخابية رفقة زوجها وأبنائها لتصبح السياسة والنقابة جزءا من انشغالات «الحاجة».
حين اختفى عبد الرزاق أفيلال من المشهد النقابي، وعاد إلى بيته مكسور الوجدان، وسحب الفاسيون من تحت قدميه بساط «السانديكا» ليخلفه خلفه محمد بنجلون الأندلسي، وقبل أن تنقضي ولاية هذا الأخير، سينقض شباط على الأمانة العامة، وقبل أن تنتفض أسرة أفيلال وتعلن نفسها ضحية مؤامرة آتية من فاس، قام شباط بمصالحة غريمه أفيلال، بعدما شاخ هذا الأخير وأوهنته المشاكل الصحية والمحاكمات، ولم يعد يشكل أدنى خطر على الوجود النقابي الاستقلالي.
في كثير من المرات، شوهد حميد شباط، وهو ينوب عن محجوبة في دفع الكرسي المتحرك الذي يجلس عليه أفيلال في ردهات محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كإشارة تضامنية مع عبد الرزاق، لكن أسرة هذا الأخيرة قررت صرف النظر عن النقابة والاهتمام بالسياسة والكرة، إذ ظل الابن رشيد أفيلال حريصا على كتابة تاريخ العائلة النقابية، من خلال مسار والده.
رغم أن رشيد هو الأقرب وجدانيا لعبد الرزاق، إلا أن محجوبة كانت تصر على صيانة التجمع العائلي وحمايته من التصدع، من خلال الالتفاف حول والد أنهكه المرض ووالدة تحولت إلى ممرضة مداومة تارة ومشرفة عامة على شؤون أبنائها الستة، بل إنها لم تتردد في مرافقته في جلسات الحوار والمحاكمة التي خضع لها في نهاية مشواره النقابي.
كانت محجوبة تحن إلى بداية التسعينات حين كانت الأسرة تسيطر على الشأن الرياضي والسياسي والنقابي، وتجعل من عين السبع محميتها، فقد دخلت محجوبة بكل ثقلها الانتخابات الجماعية لسنة 1992، واكتسحت المنطقة، حينها ردد أتباع محجوبة موشحا يقول «أفيلال هو عين السبع ومحجوبة مرات السبع». بينما استنجدت «الحاجة» بالجغرافيا لتبرير دخولها مجال الانتخابات، والتاريخ لمنح الشرعية لوجودها السياسي، وقالت لخصومها إنها «مناضلة في صفوف الاتحاد العام للشغالين منذ سنة 1967، وتملك عضوية المجلس الوطني لحزب الاستقلال منذ سنة 1974». وحين أصبحت برلمانية رفقة زوجها ظلت ترفض اللجوء للحصانة في معاركها القضائية.
أرسلان الجديدي.. النقابي الذي يصبح وزيرا مفاوضا للنقابيين
شغل محمد أرسلان الجديدي المغاربة كمسؤول حكومي وكرئيس جماعة وبرلماني، كما شغل الرأي العام حين كان نقابيا أو أمينا عاما لحزب سياسي.
بدأ الرجل مساره المهني معلما للغة الفرنسية بإحدى المدارس الابتدائية بضواحي أكادير، لكنه لم يستمر طويلا في التدريس، بعد أن كثرت احتجاجاته على الوزارة، ولمس فيه رؤساؤه نزعة نقابية مستترة سرعان ما تفجرت حين قرر أرسلان مغادرة وزارة التربية والتعليم، واجتياز مباراة لولوج وظيفة بالمكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة. وهو في عنفوان الشباب، سيحتضن الشاب أرسلان من طرف الاتحاد المغربي للشغل، النقابة التي كان يتزعمها المحجوب بن الصديق. ومع مرور الأيام اشتد عوده النقابي وراح يتزعم إضرابات صاخبة، أقلقت النظام وقتها، وهو الأمر الذي جعل الدولة تقرب منها هذا الشاب القادم من عمق بادية دكالة، وتدخله دواليبها، ليغرد داخل السرب وليس خارجه.. وهكذا سيعين الراحل الحسن الثاني أرسلان الجديدي مندوبا ساميا للإنعاش الوطني، ثم في ما بعد وزيرا للشبيبة والرياضة في حكومة كان يقودها محمد كريم العمراني، ثم وزيرا للشغل والتكوين المهني.
عاش الرجل معارك نقابية وسياسية، وظل كثير التنقل بين المدن والمداشر، خاصة بعد أن عين أمينا عاما للحزب الوطني الديمقراطي الذي انشق عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما زاد من محنة أرسلان وبدأ الإرهاق يتسلل إلى جسده. ولاحظ المقربون منه أن أرسلان يقضي ساعات في خطب طويلة كلفته جهدا وعناء أثرا على وضعيته الصحية.
في لقاءاته مع نقابة الفوسفاطيين، وهو حينها وزيرا للشغل، فاجأه أحد النقابيين ببيان كتب بخط يد أرسلان، يحذر فيه الشغيلة من تصديق وعود الوزراء. فلم يجد الرجل بحسه الفكاهي بدا من الرد قائلا: «واش هذا بلاغ ولا قرآن».
في لقاءاته مع النقابات وهو وزير للشغل، خاصة في اجتماعاته مع زعماء النقابة التي عاش فيها، كان أرسلان يحرص على أن يجعل من فاتح ماي عيدا للشغل، لذا أمر النقابات بالتركيز على كلمة عيد، بدل يوم الشغل، في إشارة إلى ضرورة جعل الاحتفالية بديلا للافتات المدينة للحكومة.
المحجوب بن الصديق للمعطي بوعبيد: «الصداقة والنقابة ما يتلاقاوش»
استاء المحجوب بن الصديق، قبل رحيله، من تداول موضوع الخلافة وهو لازال على قيد الحياة، رغم أن المؤتمر العام هو الذي يملك حق التداول في البديل بعد الوفاة أو قبلها، بل إن المحجوب أوكل لنائبه الميلودي مخاريق تسيير شؤون الاتحاد العمالي الأكبر في المغرب، علما أن الميلودي كان يمارس هذه المهام مند وقت طويل بسبب معاناة بن الصديق مع المرض.
جمع فريق الرجاء البيضاوي بين المحجوب بن الصديق والمعطي بوعبيد، وكانت لقاءاتهما في الملاعب وفي المنتديات الرجاوية تتمحور حول دور النقابة في دعم الفريق الذي كان يضم في صفوفه العديد من الوجوه النقابية التابعة للاتحاد المغربي للشغل.
مرت الأيام وأصبح المعطي بوعبيد وزيرا أول ووزيرا للعدل، وجمعته لقاءات رسمية مع صديقه المحجوب بن الصديق، خاصة في زمن الاحتقان السياسي بداية الثمانيات. وفي إحدى جلسات الحوار، قال المحجوب لصديقه المعطي: «أنت صاحبي ولكن النقابة والصحبة ما يتلاقاوش»، ثم سرد مجموعة من المؤاخذات على حكومة المعطي بوعبيد.
في سيرته الذاتية تحدث لحسن بوكسي عن مواقف النقابي المحجوب بن الصديق، وقال إنه سعى إلى كسر الإجماع حين استعمل النقابة سلاحا ضد الدولة وورقة ضغط شلت الاقتصاد المغربي، بدعم وتأثير من عبد الله إبراهيم، « في ظل هذا الوضع، قررنا في المديرية إرسال مذكرة إلى الملك الحسن الثاني نحيطه علما بالوضع في الجبهة الداخلية، تضمنت قلق الداخلية من النقابة الوحيدة، واقترحنا عليه الموافقة على خلق كيان نقابي جديد يعيد المحجوب بن الصديق إلى صف الإجماع، لكنه أجابنا بالرفض».