طبيب للثوار الجزائريين ولفريق المولودية الوجدية
حسن البصري
لا ينكر أحد أن الطب العصري دخل مدينة وجدة قبل أن يحط الرحال في العديد من المدن المغربية، لثلاثة اعتبارات أساسية، أولا لكون المدينة هي أولى الحواضر التي احتلها المستعمر الفرنسي قبل توقيع بروتوكول الحماية، وثانيا لارتباط تاريخ الطب بالحملات العسكرية الفرنسية على المدينة والنواحي في إطار التحضير للسيطرة عليها، وثالثا لأن مدينة وجدة احتضنت صيادلة وأطباء جزائريين خلال دعمها للثورة الجزائرية.
ويرى بدر المقري، الباحث في تاريخ المنطقة الشرقية، أن الطب دخل وجدة قبل الحماية، «حيث بني أول مستشفى عسكري بمدينة وجدة في أبريل عام 1907 وحمل اسم «جاك روس» وكان يتواجد بالمحلة «لا بيل في» حاليا، ونسب إلى الرائد العسكري الفرنسي جاك روس الذي قتلته المقاومة بعين الصفا، وكان يعتبر ثاني أكبر مستشفى عسكري فرنسي بمنطقة شمال إفريقيا، وقد استمر في عمله من 1907 إلى سنة 1925».
من جهته، يسلط الباحث الجزائري جمال الدين حبيبي، ابن المجاهد ميلود حبيبي الضوء على هذا الجانب، حين يقول، في إحدى مقالاته تحت عنوان: «هذه ثورتنا وتلك حساباتهم»، «شخصيا لقد حظيت بشرف الإقامة في المغرب الشقيق بصفتي مجاهدا، عايشت التضحيات التي قدمها لنا أشقاؤنا المغاربة، ففرنسا، وأمام نفوذ جيش التحرير الوطني في المغرب، اضطرت إلى قصف مركز بن مهيدي بالطائرات، وأكثر من ذلك فقد مكننا المغاربة من إقامة مدارس لتعليم أبنائنا، كما أن كبار جرحى حرب التحرير كان يتم نقلهم من الجزائر إلى المغرب لعلاجهم، ولا أظن أن أحدا ينسى الدور الذي لعبه المرحوم الدكتور عبد السلام الهدام في عيادته بمدينة وجدة المغربية».
وفي كتاب: «الصحة لدى جبهة التحرير الوطني»، لميلودي سهام، إشارات قوية للدور الذي لعبه عبد السلام الهدام في إسعاف العديد من المرضى والجرحى الجزائريين، وكيف ظل حريصا على التنقل بين وجدة ومغنية وتلمسان ووهران من أجل متابعة مرضاه.
عرف عبد السلام الهدام أيضا بحسه الرياضي، حيث ساهم في تأسيس نادي مولودية وجدة، كان ذلك في سنة 1946، رفقة مواطنه محمد بن الشيخ الجزائري وعبد اللطيف السبتي الإنجليزي والمغربي مصطفى بلهاشمي، ونال الدكتور الهدام صفة ثاني رئيس في تاريخ المولودية خلفا لمحمد بن الشيخ دون أن يتخلى عن دوره كأول طبيب للفريق.
وحسب المعطيات المتوفرة لدينا، فإن عائلة عبد السلام الهدام المتوفى عام 1997، تنحدر من أصول تلمسانية، فابن عمومته التيجاني الهدام المولود بتلمسان في سنة 1921، يعد من أشهر الأطباء الجراحين، زاوج بين التكوين الطبي العلمي والتكوين الديني، وانضم بدوره لصفوف جبهة التحرير مجاهدا وطبيبا، وكان له الفضل الكبير في تأسيس القاعدة الصحية أيام الثورة التحريرية. وبعد الاستقلال عين وزيرا للشؤون الدينية عام 1964، ثم وزيرا للصحة عام 1965، ليشغل بعدها منصب سفير للجزائر في تونس ثم السعودية، وانضم للمجلس الأعلى للدولة الذي تولى قيادة البلاد بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد.
لعائلة الهدام حضور قوي في المجال الطبي في وجدة من خلال المختار الهدام نجل عبد السلام الذي توفي في دجنبر 2017، وكان من بين العاطفين على المولودية الوجدية، ميالا للعمل الاجتماعي على غرار والده.