طالبان تسعى إلى تشكيل حكومة جديدة ومحو أفغانستان من التاريخ
الاتفاق التاريخي مع طالبان يضع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام انتقادات لاذعة
بعد إبرام الاتفاق التاريخي بين حركة طالبان وأمريكا سنة 2020 ينص على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان نهاية الشهر الجاري، استطاعت طالبان التوسع داخل البلاد من خلال عمليات عسكرية متتالية قضت بالسيطرة على العاصمة بدون أي مقاومة والاستيلاء على القصر الرئاسي، مما أثار فوضى عارمة في مطار كابل في محاولات للهروب إثر حالة الذعر التي أصابت المواطنين الأفغان. وبات الوضع مقلقا للدول الغربية التي أدانت الفوضى بشدة. بينما تحاول الحركة تشكيل حكومة جديدة وطمأنة الأفغان. إلا أن انتقادات لاذعة وجهت إلى الرئيس بايدن وتم تحميله المسؤولية، وردا على ذلك خرج الأخير بخطاب لاقى أيضا انتقادا من الجمهوريين.
سهيلة التاور
طالبان تسيطر على البلاد
وصلت طالبان الأحد 15 غشت الجاري إلى أبواب كابول بعد هجوم واسع النطاق بدأته في ماي من خلال عمليات عسكرية متتالية مستغلة انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي. وتمكنت في عشرة أيام من السيطرة على بقية المدن الكبرى الأخرى واستولت على القصر الرئاسي، بعدما فر الرئيس أشرف غني خارج البلاد من دون مقاومة تذكر.
وكتب المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد على تويتر: «تأمر طالبان جميع قواتها بالانتظار عند أبواب كابول وعدم محاولة دخول المدينة»، وذلك بعدما شاهد سكان مقاتلين متمردين في ضاحية بعيدة من العاصمة.
مطار كابل.. فوضى عارمة
أظهرت أشرطة مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد فوضى عارمة الاثنين حيث إنه كان الآلاف ينتظرون على المدرج وأناس يحاولون تسلق سلالم الطائرات أو يتشبثون بعجلاتها، حيث أثارت سيطرة طالبان على البلاد حالة من الذعر شهدها مطار العاصمة، نقطة الخروج الوحيدة من البلاد، إلى حيث تهافتت حشود لمحاولة الفرار من النظام الجديد الذي تعهدت الحركة الإسلامية المتشددة بإقامته بعد حرب استمرت عشرين عاماً.
كما تم إلغاء الرحلات التجارية من وإلى كابول. وأيضاً طلبت أفغانستان، من شركات طيران دولية تعليق التحليق في أجواء البلاد فيما تواصل طائرات عسكرية، خصوصاً أمريكية، إجلاء الطواقم الدبلوماسية والموظفين المحليين.
وقام مقاتلون من حركة طالبان في محيط المطار بهجوم مسلح وإطلاق نار عنيف وهم يحاولون ثني الناس عن الدخول مما أدى إلى سقوط 10 قتلى.
لكن في حوار مع قناة تلفزيون الغد ألقى محمد نعيم، المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، بالمسؤولية في ذلك على الأمريكيين وحلفائهم الذين قال إنهم شجعوا الأفغان على محاولة الفرار من خلال إعلانهم أنهم سينقلون من عملوا معهم 20 عاما.
وقال: «أما الأفغان فهم أبناء الوطن. نحن جميعا أبناء شعب واحد. ونحن إخوة وقد طمأنا هؤلاء مرات وأصدرنا بيانات وخاصة في عيد الأضحى الماضي، بما في ذلك من عملوا مع الاحتلال، مع الأمريكان. بما في ذلك المترجمون».
تدخل القوات الأمريكية
تدخل الجيش الأمريكي الذي أعاد فتح مطار كابل فجر أول أمس الثلاثاء بالتوقيت المحلي لاستئناف عمليات الإجلاء بعد الفوضى العارمة التي عرفها المطار. وأعلن البانتاغون أن مدرج مطار كابل بات خاليا من الحشود، وأن العديد من المدنيين الأفغان عادوا إلى بيوتهم، مؤكدا أن الرحلات الجوية العسكرية بدأت في الإقلاع من المطار.
وأعلن الجنرال هانك تايلور المسؤول في هيئة الأركان المشتركة في وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) إن طائرة نقل عسكرية من طراز «سي 17» (C 17) هبطت في المطار وعلى متنها عناصر من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، وإن طائرة ثانية مماثلة على متنها وحدة من الجيش ستليها، في تعزيزات هدفها ضمان أمن المطار. وتوقع ارتفاع عدد الجنود الأمريكيين في كابل إلى نحو 3500 جندي، مشيرا إلى أن مهمة القوات الأمريكية تبقى ضمان أمن المطار لتنفيذ عمليات الإجلاء الجارية حاليا.
وبسبب الفوضى التي حصلت في مطار كابل وإطلاق النار الكثيف من طرف مسلحي طالبان لمنع الناس من الدخول قامت القوات المسلحة الأمريكية بالرد مما أدى إلى مقتل مسلحين اثنين في مطار كابل، وكشف عن معلومات أولية تفيد بإصابة جندي أمريكي، من دون أن يجزم بذلك.
فيما ردت «طالبان» بتصريح من مسؤول رفيع في الحركة، سهيل شاهين، بأن على الولايات المتحدة إكمال عملية سحب قواتها من أفغانستان بحلول 11 شتنبر المقبل، مؤكدا التزام الحركة بعدم مهاجمة القوات المنسحبة. حيث قال أمس الثلاثاء: «لقد أعلنوا أنهم سيسحبون قواتهم قبل الحادي عشر من شتنبر. فإذن يجب عليهم سحب كل قواتهم، ونحن ملتزمون بعدم مهاجمتهم. ولم نهاجمهم».
خطاب بايدن
بعدما لاقى الرئيس الأمريكي جو بايدن انتقادات بسبب انسحاب القوات الأمريكية الذي استغلته طالبان وسيطرت على أفغانستان، دافع بايدن الإثنين 16 من الشهر الجاري بشدة عن الانسحاب، مؤكداً وقوفه بقوة خلف هذا القرار ومشدداً على أن الوقت حان للمغادرة من هذا البلد بعد 20 سنة من الحرب. وقال بايدن في خطاب إلى الأمة ألقاه في البيت الأبيض «أنا أقف بقوة خلف قراري. بعد 20 عاماً، تعلمت بالطريقة الصعبة أنه لن يكون هناك أبداً وقت جيد لسحب القوات الأمريكية» من أفغانستان.
وأضاف أن المصلحة القومية لبلاده في أفغانستان كانت بشكل أساسي تتمحور دوماً حول منع استهداف الولايات المتحدة بهجمات إرهابية انطلاقاً من البلد الغارق في الحرب، مشدداً على أن «المهمة في أفغانستان لم تكن يوماً بناء دولة».
وارتدى هذا الخطاب أهمية استثنائية لأنه تضمن أول رد فعل من سيد البيت على التطورات التاريخية التي شهدتها أفغانستان في نهاية الأسبوع الماضي والتي قابلها بايدن بصمت مطبق.
وطرح الرئيس الأمريكي سؤالاً على «أولئك الذين يجادلون بأنه يجب علينا أن نبقى (في أفغانستان): كم من جيل إضافي من بنات أمريكا وأبنائها تريدون مني أن أرسلهم لمحاربة الأفغان – الحرب الأهلية في أفغانستان – في وقت لن يفعل فيه ذلك الجنود الأفغان؟».
وفي خطابه لفت بايدن إلى أن الصين وروسيا كانتا ترغبان بأن تغرق الولايات المتحدة في المستنقع الأفغاني إلى أجل غير مسمى. وقال إن «منافستينا الاستراتيجيتين الحقيقيتين، الصين وروسيا، كانتا لترغبان بأن تستمر الولايات المتحدة إلى ما لا نهاية في تكريس مليارات الدولارات من الموارد وفي الاهتمام بتحقيق الاستقرار في أفغانستان».
وأقر الرئيس الأمريكي بأن الحكومة الأفغانية انهارت بشكل أسرع من المتوقع، مؤكداً أن الولايات المتحدة فعلت كل ما بوسعها لدعمها. وقال «لقد تعهدت دائماً للشعب الأمريكي أن أكون صريحاً معه. الحقيقة هي أن هذا حدث أسرع بكثير من تقديراتنا»، في إشارة الى انهيار الحكومة الأفغانية. وأضاف «أعطيناهم كل فرصة لتقرير مستقبلهم. لا يمكننا إعطاؤهم الإرادة للقتال من أجل مستقبلهم».
أمريكا تتوعد طالبان
كما توعد بايدن حركة طالبان المتشددة بـ»رد مدمر» إن هي عرقلت أو عرضت للخطر عملية الإجلاء الحاصلة عبر مطار كابول لآلاف الدبلوماسيين الأمريكيين والمترجمين الأفغان.
وقال إنه في حال وقع أي هجوم فإن رد الولايات المتحدة سيكون «سريعاً وقوياً»، مضيفاً «سندافع عن أناسنا بقوة مدمرة إذا لزم الأمر».
كذلك، فقد تعهد الرئيس الأمريكي إعطاء الأولوية للطريقة التي ستعامَل بها النساء والفتيات الأفغانيات تحت حكم الحركة الإسلامية المتشددة. وقال «سوف نستمر برفع الصوت عالياً بشأن الحقوق الأساسية للشعب الأفغاني والنساء والفتيات».
وفي محاولة منه للظهور بمظهر الواثق من مجريات الأمور في أفغانستان عمد بايدن، فور انتهائه من إلقاء الخطاب، إلى مغادرة البيت الأبيض عائداً إلى منتجع كامب ديفيد الرئاسي بالقرب العاصمة واشنطن لاستئناف إجازته التي قطعها من أجل إلقاء هذا الخطاب.
هجوم الجمهوريين على بايدن
وعلق السيناتور الجمهوري توم كوتون من ولاية أركنساس، وهو أيضا محارب سابق بأفغانستان، على كلمة بيادن، وقال «الرئيس ظهر وكأنه غير مسؤول، ثم ألقى باللوم على الآخرين، ولم يتحمل أية مسؤولية، وتجنب النقطة الأهم وهي الطريقة غير الكفؤة للانسحاب، وعاد إلى إجازته.. هذا شيء يستحق الشفقة».
من جانبه، ذكر السيناتور الجمهوري توماس تيليس، من ولاية كارولينا الشمالية، أنه استمع لعدد من المحاربين القدامى الذين خدموا في أفغانستان، وقال «بعضهم غاضب، والبعض الآخر يائس. قواتنا فعلت كل ما طُلب منها وأكثر من ذلك. خدموا بشرف من أجل الوطن، في هذا الوقت يجب أن يعرفوا أننا لن ننسى خدماتهم وتضحياتهم أبدا».
أما النائب الجمهوري دينفر ريجلمان من ولاية فرجينيا، فهاجم موقف الرئيس، وقال «لقد تطوعت في الجيش عقب هجمات 11 شتنبر 2001، وسقوط برجي التجارة العالمية وفقدان الآلاف من الأبرياء. عندما وصلت أفغانستان لأول مرة، أدركت ما فعلته طالبان بالنساء، لقد أطلعت جنودي على صور مروعة للإعدامات والشنق والرجم… أعاني مما يحدث ولا أعرف ما يجب أن أفعله الآن».
قلق دولي
صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الإثنين، بأن «واجب وكرامة بلاده هو حماية الأفغان الذين ساعدوها والذين يتهددهم وصول حركة طالبان إلى العاصمة في أفغانستان»، وذلك خلال خطاب متلفز تم تخصيصه للأزمة في أفغانستان.
وقال ماكرون إنه «من واجبنا وكرامتنا حماية أولئك الذين يساعدوننا، مثل المترجمون الفوريون والسائقون والطهاة وغيرهم الكثير». وأضاف: «تحدثت مع رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسن، عن مبادرة لإعادة السلام في أفغانستان».
كما أوضح الرئيس الفرنسي أنه تم «وضع الطوارئ المطلقة لتأمين الرعايا الفرنسيين الذين ينبغي أن يغادروا أفغانستان، وكذلك الأفغان الذين عملوا مع فرنسا»، مؤكداً أنه »سوف أرسل طائرتين عسكريتين وفرقة عمليات خاصة إلى كابول خلال الساعات المقبلة».
من جانبها، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إن «التدخل في أفغانستان لم يكن ناجحاً بالمقدار المأمول به». واعتبرت ميركل أن «الوضع في أفغانستان مرير وأسباب سياسية داخلية أمريكية ساهمت في قرار سحب القوات الغربية منه»، مضيفةً أن «انسحاب القوات الغربية من أفغانستان كان له تأثير الدومينو».
أما المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي، فاعتبر أن الحكومة الأفغانية سقطت لأنها «كانت تفتقر إلى القيادة». وأوضح كيربي في مؤتمر صحافي أنه «يمكن لواشنطن أن تمول، وتدرب، وتقدم مشورة، وتساعد، ولكن لا يمكن أن تشتري قوة الشخصية، لا يمكن أن نُكسِب القيادة، والقيادة كانت مفقودة».
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد دعا في وقت سابق ، إلى تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان، من خلال المفاوضات، تكون «موحدة وشاملة وتمثيلية، تتضمن مشاركة للمرأة بشكل كامل وعلى قدم المساواة». كما دعا المجلس إلى «وقف فوري للأعمال العدائية وانتهاكات حقوق الإنسان»، وحث جميع الأطراف على «السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن ودون عراقيل».
وفي السياق ذاته، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -في مكالمة هاتفية- مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن تطورات الوضع في أفغانستان.
وقالت الخارجية الروسية -في بيان- إن بلينكن أبلغ الجانب الروسي بالإجراءات التي تتخذها الإدارة الأمريكية في إطار عملية إجلاء موظفي سفارتها في كابل، وتسوية الوضع الإنساني. من جانبه، أبلغ لافروف نظيره الأمريكي بتقييمات موسكو للوضع الحالي، وتفاصيل اتصالات السفارة الروسية لدى كابل مع ممثلي جميع القوى السياسية الرئيسة هناك.
وأشار البيان إلى أن الوزيرين اتفقا على مواصلة المشاورات بمشاركة ممثلين عن الصين وباكستان والدول الأخرى المهتمة وممثلي الأمم المتحدة، من أجل المساعدة على تهيئة ظروف مواتية لإطلاق حوار أفغاني شامل في ظل الظروف الجديدة التي تمر بها البلاد.
من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إن هناك حاجة إلى محاولة التأثير بوجه إيجابي على حكام أفغانستان.
وقال إن لندن في الظروف الطبيعية لا تتعامل مع طالبان، ولكن على البريطانيين أن يكونوا عمليين، وفق وصفه.