بقلم: خالص جلبي
طبقات المعدة مثنى وثلاث ورباع، وتحت كل طبقة نجد طبقة أخرى، فهناك ما يعرف بالطبقة تحت المخاط، وتحت هذا الجدار الثاني نرى جدارا ثالثا يغلف الثاني، وهذا الجدار الثالث عضلي وهو الذي يتمطط إذا ما امتلأت المعدة كثيرا. والتكوين العضلي ليس واحدا، بل يترتب أيضا على ثلاث طبقات هو الآخر، حيث نرى أولا طبقة عضلية ذات اتجاه منحرف، ثم طبقة أخرى عضلية ذات اتجاه دائري يحيط بالجدار المعدي، ثم طبقة عضلية ثالثة ذات اتجاه طولاني، وهذا الترتيب البديع مهم للغاية، حيث يسير التمطط المعدي في أي اتجاه كان، فإذا امتلأت المعدة ولنفرض بسائل ثقيل يترسب في القاع، فإن عمل العضلات الدائرية يلعب دورا أساسيا هنا، وإذا امتلأت بطعام يملأ الفضاء المعدي برمته، فإن عمل العضلات الطولانية هو الذي يحل المشكلة هنا، وإذا اجتمع العاملان معا تضافرت العضلات الطولانية والدائرية معا، وإذا لم يكن هناك نظام معين في تمدد المعدة تضافرت العضلات بأشكالها الثلاثة معا، ثم يحيط بالجدار الثالث جدار رابع وهو ما يسمى بالطبقة المصلية، وهذه الطبقة هي الدرع الذي يغلف الطبقات جميعها من جهة، كما يكون صلة الوصل مع بقية الأجهزة داخل البطن، بالإضافة إلى دخول التروية الدموية من خلال هذه الطبقة، حيث تغلف وتستر الأوعية الدموية والأعصاب. وأما الأعصاب فهي تشكل ضفائر عصبية تسمى بضفائر مايسنر وأورباخ، تتوضع الأولى تحت الطبقة المخاطية، وتتوضع الضفيرة الثانية ما بين الطبقات العضلية، أو بالضبط ما بين الطبقة العليا الطولانية والدائرية. ثم لنلقِ نظرة أدق مما ذهبنا إليها، خاصة ونحن الآن انتقلنا من المستوى الذي نرى فيه رأي العين المجردة إلى النظر عبر التكبير وهي الرؤية المجهرية، حيث نصل إلى أسرار جديدة وألغاز حديثة كشف العلم الحديث عن بعض أسرارها.
الغشاء العاقل:
نحن الآن مع النسيج، حيث نرى الحجر الخلوية وهي تتراص جنبا إلى جنب، وبين الحين والآخر نرى ما يشبه النهر الصغير وهو يمر ما بين الخلايا، ويصغر تدريجيا حتى يصل إلى درجة من الصغر لا نستطيع أن نميزه ونحن نتابع مسيره، وهكذا يكون قد ضاع ما بين الحشود الخلوية، وهذه هي صورة التغذية الخلوية، حيث تتم التغذية عن طريق التشرب، وحيث يحيط بالخلايا السائل الخلالي، وكأن مجموع الخلايا وهو هكذا بالفعل يغطس في سائل كالأسفنجة التي تغطس في السائل.
وحتى يمكن لنا أن نفهم كيف تتغذى الخلايا فإن هذه الصورة البسيطة غير مقنعة تماما، خاصة لمن يريد أن يصل إلى أعماق الحقيقة، وهذا ما دفع بالأطباء والباحثين إلى أن يتعرفوا إلى كنه الأمور وحقيقتها قدر الإمكان. لقد وجدوا أن للخلية غشاء يغلفها ويمتاز هذا الغشاء بخاصية عجيبة هي أنه يشبه المرشحة الانتخابية، فهذا الغشاء ترشح منه المواد من داخل الخلية إلى خارجها، والتي تمثل نتائج الاستقلاب وبقايا الفضلات الفاسدة وغاز الفحم، كما أنها تدخل المواد التي تحتاجها الخلية من السكر والماء وسواهما، ولكن العجيب يكمن في أنها تدخل ما تشاء وترفض ما تشاء عن طريق الغشاء الخلوي؛ فمثلا تسمح وبمنتهى السرعة بدخول مادة البوتاس، حيث يشكل البوتاسيوم (K) الموجود ضمن الخلايا 98 في المائة من بوتاس البدن عامة، و2 في المائة يوجد في الدم، بينما تمنع شاردة (معدن) الصوديوم والكلور، لأن المنطقة الانتخابية لمادة الصوديوم هي خارج الخلايا وهذه وتلك معدن؛ فالصوديوم والبوتاسيوم معدنان متقاربان، ولكن الغشاء يرفض الأول بينما يأخذ الثاني، هذا مع العلم أن ذرة البوتاس وزنها 39، بينما وزن ذرة الصوديوم 23، أي أن ذرة البوتاس أكبر وأثقل، وبالإضافة إلى هذا نجد أن الغشاء لا يسمح بدخول المواد البروتينية، بينما يسمح بدخول السكر والبولة وهذه الخاصية عجيبة في الواقع، فما هو السر الذي يجعل هذا الغشاء يتصرف كالعاقل، فهو يرفض إدخال عنصر كالصوديوم مثلا، بينما هو يسمح بإدخال عنصر آخر كالبوتاسيوم، حتى لتعتبر الخلية الملجأ الأمين الوحيد لشاردة البوتاسيوم في البدن؟
وأما تكوين الغشاء الذي يحيط بالخلية وثخانته والعمل الذي يقوم به، فهو فعلا مدهش، فلقد وجد أن ثخن الغشاء يتراوح وسطيا ما بين 120-140 Ao (كنا قد ذكرنا أن الأنغستروم Ao يساوي جزءا من عشرة مليارات من المتر)، وهو يتركب من طبقتين من المواد الدسمة وتكون هاتان الطبقتان الدسمتان (يقصد بالدسم الشحوم، والشحوم عادة يدخل في تركيبها الفحم والهيدروجين والأكسجين، بخلاف البروتين الذي يدخل في تركيبه بالإضافة إلى ما مر الآزوت) مغلفتين بطبقتين أخريين من المواد البروتينية، والآن أين الثقوب التي تمر منها المواد والذرات من داخل الخلية إلى خارجها؟ إن الجواب عن هذا هو أن أحدث ما توصل إليه العلم عن طريق المجهر الإلكتروني الذي يكبر حوالي 100- 600 ألف مرة أن الثقوب هي بحالة ديناميكية غير ثابتة، أي أنها تتشكل من وقت لآخر، حيث تتعرى مناطق ثم تتستر لتحدث في مناطق أخرى ثقوبا جديدة وهكذا، وهذا يجعلنا نقف متأملين في قدرة الخلية العجيبة التي يستهلك منها جسم الإنسان كما مر معنا 125 مليون خلية في الثانية الواحدة!
نافذة:
للخلية غشاء يغلفها ويمتاز هذا الغشاء بخاصية عجيبة هي أنه يشبه المرشحة الانتخابية فهذا الغشاء ترشح منه المواد من داخل الخلية إلى خارجها