شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

طائرة الجنرال نزار وأسرار المصاريف الخيالية للعسكريين

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

«أغلب رجال الشرطة والجيش يحصلون على أجور هزيلة جدا. مرتبهم الشهري لا يكفيهم حتى لتوفير تغذية صحيحة لأسرهم. هل يجب إلقاء اللوم ومعاقبة هؤلاء الشرطيين والجنود الشباب، والذين هم في الحقيقة ضحايا المافيا التي تتحكم في البلاد؟ إنهم يقفون بين نارين. نار من جهة رؤسائهم الذين يخدمون الجنرالات، وأخرى من جهة الإرهابيين».

يقول هشام عبود، أيضا، إن هذه المنظومة تشجع الأمنيين على التعاطي لتجارة الممنوعات. في كل الأنظمة العسكرية التي تهيمن على السياسيين، تنتشر تجارة السلاح في الشوارع والقرى، والاتجار في السلع المهربة. كل الأجهزة تحاول تحقيق أرباح مادية بحكم أن أجورها الرسمية من الدولة هزيلة جدا. وهذا ما يقع في الجزائر.

 

طائرة الجنرال

في مقابل كل هذا، كان الجنرال خالد نزار يقضي سهرات خاصة باذخة في باريس، وتوضع رهن إشارته طائرة خاصة وفرق من المخابرات الجزائرية لتوفير الحراسة له على مدار الساعة منذ نزوله من الطائرة التي أقلته من الجزائر، إلى أن يعود إليها. وهو ما كان يكلف خزينة الدولة مبالغ خيالية. إذ إن سهرات الجنرال لم تكن تنتهي ويُنفق فيها بسخاء من المال العام بدون حسيب ولا رقيب.

الرجال أنفسهم الذين يتولون حراسة الجنرال كانوا في الحقيقة يعيشون ظروفا مادية مُزرية شأنهم شأن بقية أفراد الشعب. ومع ذلك، فقد كانوا يرون مقدار الثراء الذي ينعم فيه الجنرال خالد نزار. كان كل هذا يحدث في عز الحرب التي يقودها هذا الجنرال ورفاقه ضد «الإرهاب».

يقول هشام عبود: «في إطار الحرب على الإرهاب، كان رجال الشرطة والجيش والدرك الوطني الجزائري، يعيشون الظروف نفسها التي يعيشها أعداؤهم. لا أحد منهم كان قادرا على العودة مساء إلى البيت لكي يجد الدفء العائلي». كانوا جميعا، إذن، يعانون من الجوع والبرد والتعب ويلتقون مع الموت أكثر من مرة في اليوم.

مهما كانت نتيجة الحرب على الإرهاب، كما يشرح هنا هشام عبود، فإن الجنرالات دائما يربحون. بحكم أنهم غارقون في سهرات «الويسكي» ويجرون المكالمات الهاتفية لنقل أموالهم إلى العواصم الأوربية. وأيا كانت النتيجة، فإنهم استطاعوا تأمين مستقبلهم المالي بالدولار في الخارج.

ينتقل هشام عبود إلى بداية نهاية فصول هذا الكتاب، حيث خصص له العنوان التالي: «خلال ارتكاب المجازر.. تستمر الصفقات والأعمال».

القصد واضح. في عز إعطاء الجنرالات الأوامر لارتكاب مجازر في حق الشعب الجزائري باسم مكافحة الإرهاب، كانت المشاريع والصفقات وتهريب الأموال وتجارة الممنوعات والسلاح، على أشدها.

هذا الأمر أنجب نخبة جديدة من العسكريين الذين استفادوا من هذه العملية. عسكريون يتم توظيفهم للعمل على راحة الجنرالات، ويتحولون من جنود إلى خدم وموظفين مطيعين مهمتهم ربط الاتصال بين الجنرالات والأبناك والشركات وحجز تذاكر الطائرات والفنادق الفخمة عبر العالم.

هذه العينة من العسكريين نسوا كيف يُستعمل السلاح ونسوا أصوات القنابل، واستبدلوا الرشاش بجهاز الهاتف، حيث كانوا يعملون في مكاتب الجنرالات وأصبحت مهمتهم توفير الراحة للجنرال وأسرته الكبيرة بل وحتى أصدقائه. ورغم أن هؤلاء العسكريين مارسوا هذه المهام، إلا أن وضعهم الاجتماعي لم يكن مختلفا نهائيا عن بقية العسكريين، وهكذا لجأوا إلى سرقة الجنرالات بدورهم لكي يحتفظوا لأنفسهم بجزء من الغنيمة الكبيرة التي يُدبرونها كل يوم، ويصرفونها بأنفسهم لتوفير الراحة لعائلات الجنرالات، دون أن يجرؤ أحد على طرح السؤال: «من أين جاء الجنرالات بكل هذا المال؟».

من الأمور المحيرة فعلا، كيف لم تستطع أي جهة دستورية أن تحاسب جنرالات الجزائر خلال العُشرية السوداء على الملايير التي أنفقوها بدون مراقبة ولا مبررات، ولم يُسائلهم أحد عن ثروتهم التي راكموها داخل البلاد وفي الخارج أيضا. خصوصا وأن الشارع الجزائري تناقل معلومات عن شركات في ملكية الجنرالات يسيرها أشخاص مدنيون مقربون من «المافيا» ومعروفون بصداقاتهم مع العسكريين، لكن تلك النقاشات لم تتعد نوافذ المقاهي الشعبية، حيث كانت تُجرى هذه النقاشات بكثير من الحذر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى