ضريبة السيادة
أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارا عجيبا وغريبا عن تقاليدها ومساطرها، يرمي إلى إلغاء الاتفاقيتين التجاريتين الموقعتين بين المغرب والاتحاد الأوروبي، في مجالي الزراعة والصيد البحري. نقول قرار غريب لأنه يؤسس لسوابق خطيرة تنتهك القانون الأوروبي، الذي لا يمنح صفة التقاضي لغير الدول المنتمية إليه، فبالأحرى أن يضفي في سابقة خطيرة الشرعية القانونية على ميليشيات عسكرية ومنظمات مسلحة، لتصبح مخاطبا قانونيا للمؤسسات الأوروبية.
ومن الواضح جدا أن قرار العدل الأوروبي تأثر كثيرا بأجواء الطقس الديبلوماسي والسياسي غير المستقر الذي يخيم على سماء علاقة المغرب ببعض الدول الأوروبية التي تملك زمام القرار القضائي، فلا يستطيع أحد أن ينكر تأزم العلاقة السياسية والدبلوماسية منذ شهور خلت إلى اليوم، بين بلدنا الذي اختار توجها ديبلوماسيا جديدا وبين ألمانيا وإسبانيا، بالإضافة إلى بعض البرودة في العلاقات مع فرنسا، قبل أن تترجم اليوم إلى رسالة سياسية تحمل دوافع إيدولوجية في جبة حكم قضائي. فلا يعقل أن يتجرأ قضاة محكمة الاتحاد الأوروبي ذات الطابع الاستشاري، على إلغاء اتفاقيات متخذة بكيفية سيادية من طرف الدول الأعضاء، وحصلت على الموافقة الواسعة للبرلمان الأوروبي، بعد فحص احترامها للقانون الدولي، لولا الخلفية السياسية والتحولات الديبلوماسية والمعطيات الجيوستراتيجية الجديدة.
إن كل ما تظاهر به القرار القضائي الأوروبي في ديباجته وحيثياته وحكمه الغريب العجيب، من حياد وحرص على احترام القوانين الدولية والمصالح الأوروبية ومراعاة حقوق وواجبات الاتفاقيات الدولية، ما هي إلا مزاعم وكلمات خشبية جوفاء هدفها الرئيسي تبليغ رسالة سياسية إلى المغرب، والتستر على المنطق الاستعماري الأوروبي الذي لا يقبل سوى خضوع دول ما وراء البحار للجشع والهيمنة والوصاية الأوروبية.
لذلك فالقرار في عمقه ليس إلا عرضا لداء ديبلوماسي وسياسي كامن، يتعلق بتراكم الخلافات وسوء الفهم، فلا يمكن تجاهل أن هناك شعورا غير ودي لدى بعض المسؤولين الأوروبيين بتحول وجهة المغرب نحو بناء علاقة مع المحور الأمريكي البريطاني الإسرائيلي.
ومن يستقرئ بعمق المتغيرات الديبلوماسية والمجريات الجيوستراتيجية الجديدة، سيفهم خبايا القرار الأوروبي المغلف بالقضاء، فالتوجه السيادي للمغرب نحو العالم الأنجلوساكسوني بعيدا عن القارة العجوز، لابد أن يكلف بلدنا دفع فاتورة ديبلوماسية ممن ألفوا امتصاص خيراتنا دون معاملتنا كشريك، ولا بد أن يتسبب في إصدار قرارات تستهدف مصالحنا واستقرارنا. وبالضرورة على الدولة المغربية أن تأخذ المخططات الجهنمية والقرارات المستفزة التي تستهدف وحدة بلادها على محمل الجد، لقطع الطريق على كل المناورات والدسائس التي تحاول الجزائر لعب دور الوكالة في تنزيلها.
في الأخير نعرف أن قرار محكمة العدل الأوروبية ليس له أي تأثير أو وقع على المبادلات التجارية التي ستستمر في الازدهار بين الشريكين، وهو ما اعترف به القرار نفسه، وربما يتم إسقاطه في مرحلة الاستئناف، لكن الأمر يتطلب استراتيجية جديدة مع الاتحاد الأوروبي، استراتيجية تضع المسؤولية المشتركة على المغرب والاتحاد الأوروبي، لمواجهة طموحات أولئك الذين يريدون نسف اتفاقيات الشراكة الحالية والمستقبلية.