شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ضربتان على الرأس

يونس جنوحي

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بإشارات أولى نتائج «أشواط» الانتخابات الفرنسية، حيث تؤكد هذه الإشارات أن اليمين الفرنسي سوف يتلقى هزيمة تاريخية لا محالة، مرت علينا إشارتان قويتان لم تحظيا بما يليق بهما من اهتمام.

في الوقت الذي كان فيه الإعلام الإسباني يحتفي بعودة الدفء إلى العلاقات المغربية الإسبانية، والاعتراف الإسباني التاريخي بمغربية الصحراء، وطي صفحة من المد والجزر استمرت لأزيد من خمسين سنة، ظهر تقرير من تقارير اللجان الداخلية للاتحاد الأوروبي يحذر من عمليات نهب للمساعدات الإنسانية الموجهة إلى مخيمات تندوف.

هذا التقرير يؤكد أن سيارتين تحملان ترقيما غريبا، تعترف عناصر البوليساريو بأنها وراءه، حملتا شحنات من المواد الغذائية التي حصل عليها المخيم، وقامت ببيعها في السوق السوداء في الحدود المغربية الموريتانية.

هذا التقرير الذي ظهر يوم 9 مارس الماضي، يؤكد أن مخيمات تندوف سوف تدخل أزمة جوع بسبب اختفاء المساعدات.

وفي يوم 26 مارس المنصرم تحقق ما نبه إليه التقرير. هذه المرة، خرج فرع منظمة الهلال الأحمر بمخيمات تندوف بنداء عاجل، أقل ما قد يوصف به بأنه «استغاثة» للتحذير من النقص الكبير في المواد الغذائية، بنقاط توزيعها داخل المخيمات، وهو ما يؤثر على أسعارها، حيث تصبح عرضة للمضاربات. رغم أن الأصل فيها أنها مساعدات إنسانية توزع بالمجان على اللاجئين. لكن بسبب نهب قيادات الجبهة الانفصالية لأطنان المساعدات، تصبح المواد التي تصل إلى المخيم بسلام، عرضة للمضاربات بين صغار التجار القابعين في المخيم بدورهم.

الأمر أشبه بسلسلة غذائية في عالم الأدغال، حيث يقتات القياديون في البوليساريو على مأساة سكان مخيمات تندوف. وهؤلاء المساكين لن يقضوا دقيقة واحدة في المخيم، لو أتيحت لهم إمكانية المغادرة. إذ إن الذين تمكنوا من الفرار، أو تدخل الصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية لإخراجهم، كلهم قرروا عدم العودة نهائيا إلى هناك.

البوليساريو نالت ضربة قاضية لم تكن متوقعة نهائيا، بعد الاعتراف الرسمي الإسباني بمغربية الصحراء.

إسبانيا دولة فاعلة في ملف الصحراء المغربية، بل إنها عنصر أساسي في هذا الملف. والاعتراف يعني دعم الموقف المغربي الذي تعتبره الآن جل قيادات العالم، الحل الأكثر واقعية لإنهاء النزاع.

ورغم أن قيادات البوليساريو تحاول تصدير أزمة ما يقع داخل المخيمات على أنها مضايقات من المغرب، إلا أن تقارير الاتحاد الأوروبي تكشف بالملموس أن الأمر يتعلق بعصابة تحاول ابتزاز الدول، التي كانت تتعاطف سابقا مع الملف، والأنظمة التي تدعم الحركات الانفصالية في عدد من الدول، وتحاول دائما البحث عن تمويل لاستمرار الأزمة.

لم يسبق أن عاش سكان مخيمات تندوف أزمة مثل هذه الأيام العصيبة التي يعيشونها حاليا. إذ إن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت كثيرا على السوق الدولية، وجل المنظمات الإنسانية منكبة على ملف اللاجئين الأوكرانيين بدول الاتحاد الأوروبي.

كما أن بعض القائمين على توزيع المساعدات فقدوا حماس الاشتغال في مخيمات تندوف، لأنهم بعد سنوات من الاشتغال المتواصل والدؤوب، تأكد لهم بالملموس أن القائمين على تنظيم عملية تلقي المساعدات على سكان المخيم لا يريدون أبدا للأزمة أن تنتهي، ويفضلون أن يبقى الجيل الثالث والرابع من سكان المخيم عالقين بين الرمال ودرجات الحرارة المرتفعة، ينتظرون علب الحليب والسمك المصبر والأدوية لكي تأتي محملة في شاحنات المنظمات الدولية، ثم تختفي لتظهر مجددا في موريتانيا ودول إفريقيا جنوب الصحراء، ويقبض مسؤولو المخيم مقابلها بالعملة الصعبة في حسابات بنكية توجد في جنات التهرب الضريبي.

بالنسبة إلى هؤلاء، لا يهم أن تعترف إسبانيا بمغربية الصحراء، فهم يعلمون جيدا أن المنظمات الإنسانية التي تصرف لهم المساعدات، يجب دائما أن تطلع على تقارير تؤكد بؤس سكان المخيم. لذلك يقوم هؤلاء المسؤولون بأقصى ما يمكنهم القيام به، لكي يبقى نفس الأطفال الذين يجرون بين الخيام شبه عراة على تلك الحال، لكي يقبضوا المقابل بالدولار.

التقريران اللذان صدرا في مارس الماضي ليسا مجرد ناقوس للخطر، إنهما ضربتان على الرأس، لكنهما لا «تُؤلمان» أحدا في البوليساريو، لأن التنظيم ببساطة صار بدون رأس. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى