شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسية

ضباب الأغلبية 

لا يحتاج المتتبع للمشهد السياسي إلى بذل الكثير من الجهد في التحليل، ليخلص إلى أن بيت الأغلبية السياسية ليس على ما يرام رغم تضخم خطاب الانسجام وكل المكياج الذي يوضع على وجه الأغلبية لتزيينها وإظهارها بمظهر الائتلاف الذي يسوده التوافق والتنسيق الدائمان. والحقيقة أننا أمام أغلبية عددية ضامنة لتمرير القوانين في البرلمان وليس أمام أغلبية سياسية قادرة على الدفاع عن التجربة الحكومية بنفس القدر والجرأة.

فبعد مرور سنة ونصف السنة على تشكيلها، لازالت الأغلبية عاجزة عن الدفاع المستميت عن حكومتها، ولم تستطع إنتاج هوية سياسية للمرحلة، بل إن بعض الأحزاب تخاف من ربط اسمها بالحكومة، وتضع ربع بيضها في سلة الحكومة بينما تحتفظ بثلاثة أرباع لوضعها في أي سيناريو محتمل، والمشكلة في الأحزاب المشكلة للحكومة أنها تريد أن تأكل في صمت وتدافع بصمت، وإذا اضطرت للكلام فهي تتحدث لغة الصمت الذي لا يُنسِب لها قولا ولا فعلا.

بلا شك أن التحالف الثلاثي من المركز إلى الجهوي والمحلي، والذي تم التوافق عليه بعد استحقاقات الثامن من شتنبر، اعتبر في حينه أمرا طبيعيا ومطلوبا في إطار التدافع السياسي الطبيعي وما أفرزته صناديق الاقتراع وخطوة إلى الأمام في إنضاج الممارسة السياسية والحزبية. لا ننسى أن الجميع كان ينتقد التضخم الحزبي في تشكيل الحكومات حيث ظل الكل ينتقد سيادة تحالفات غير طبيعية وافتقادها لأي منطق سياسي باستثناء منطق الترضيات.

لكن الذي حصل هو أن هذا التحالف المهيمن مع كل القوة العددية التي يتوفر عليها بالبرلمان والحكومة والجماعات الترابية والنقابات، ترك الفراغ على مستوى السياسي، بل إنه من المستحيل أن تتطابق مواقف أحزاب الأغلبية في ما يجري من أحداث والمشاكل المرتبطة بارتفاع الأسعار والسياق الصعب الذي نمر منه، حيث اختلفت أحزاب الأغلبية في ردة فعلها على هذه الأحداث وعبر كل منها عن مواقف منفصلة تصل أحيانا إلى حد التناقض وإحراج الحكومة، مما أثار أسئلة عن أسباب هذا التباين وتأثيره المستقبلي على حالة الانسجام والتوافق داخل صفوف الأغلبية الحاكمة.

بل إن الأغلبية تركت رئيس الحكومة وحيدا يواجه حملات الانتقاد ولم تقدم له أي شكل من أشكال المساندة السياسية، فلم يعد أي حزب مؤسساته للدفاع عن التجربة السياسية الحالية ويلتئم أي اجتماع للأغلبية لإصدار دعم لمواجهة المنتقدين بل لم يفتح قادة الأغلبية باب النقاش العمومي، وسط أحزابهم، ومنظماتهم النسائية وشبيباتهم، لترتيب جدار الدفاع عن التجربة وقراراتها كما تقضي بذلك أعراف وواجبات التحالفات.

والمؤكد أنه إذا ما استمرت هذه الضبابية والرمادية والبرودة في أداء الأغلبية الحكومية، فإنها ستوشك على التفكك بقوة الواقع مما قد يقود الحكومة إلى الانهيار. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى