ضايعين في الزناقي
كانت علاقة المملكة المغربية بمملكة السويد، وعلى مر العصور، علاقة طبيعية تتلخص في التبادل التجاري والصناعي، وبالأخص توفير الأمن من طرف المغرب للبواخر والسفن السويدية العابرة للأطلسي. لم يساعد لا الجوار الجغرافي ولا المناخ على خلق تقارب حقيقي بين البلدين. لذا لم يتعرف البلدان على بعضهما بما فيه الكفاية، وبقيت الصور والتصورات المشتركة جد مضببة: بينما وقف المغاربة عند صورة بلد الجليد والصقيع، اختزل السويديون المغرب في بلد الفقر والقفار. لكن العقود الأخيرة شهدت تطورا ملحوظا في العلاقات بين البلدين، ليتعرف المغاربة في السويد على بلد ديمقراطي نموذجي وليتعرف السويدون في المغرب على بلد معتدل ومتسامح.
وفي سياق العولمة دخلت السويد المجال المغربي عبر «مجموعة أبا أبا» الموسيقية، من خلال أفلام بيرغمان أو إنجازات لاعب كرة المضرب بورغ أو لاعب كرة القدم زلاتان إبراهيموفيتش، دون الحديث عن كتاب أمثال ستيغ لارسون أو هينينغ مانكيل إلخ.. وخلافا للفرنسيين، الإسبان والإيطاليين الذين يتواجدون بالمغرب، بحكم العوامل التاريخية، كجاليات، فإن السويديين يشكلون كمشة من المواطنين موزعين على عدة مدن مغربية. أما المغاربة، وبالأخص سكان منطقة الريف فقد نزحوا إلى السويد ابتداء من الستينات، ويقدر عددهم تبعا لإحصائيات 2008 بـ 20 ألف مهاجر، وهو عدد ضئيل مقارنة بالسوريين الذين قارب عددهم 67.671 في عام 2014، أو الإيرانيين البالغ عددهم 68.436. ويبقى أحمد رامي، المحكوم عليه بالإعدام على خلفية تورطه في المحاولة الانقلابية للصخيرات ضد الحسن الثاني، أشهر مغاربة السويد. لكن موجة نزوح المغاربة لبلد بيرغمان اتخذت في الأعوام الأخيرة منحى وشكلا آخر: إذ يلتحق بالسويد سنويا 400 من القاصرين المغاربة لطلب حق اللجوء السياسي.. ويعيش قسم كبير منهم في الأزقة والشوارع. غير أن هذه الأرقام تبقى دون الحقيقة، إذ يشير مكتب الهجرة إلى أن قاصرا من بين ثلاثة يختفي في الطبيعة بعد دخوله إلى التراب الاسكندنافي خوفا من عدم الحصول على اللجوء السياسي. كما أن 4 في المائة منهم فقط حصلوا على حق اللجوء السياسي. ووجدت الحكومة السويدية نفسها أمام معضلة قانونية وسياسية وإنسانية عصية عن الحل، خصوصا وأن الأمر يتعلق بقاصرين يستحيل طردهم أو سجنهم. كما تبين لها أن المغرب وحده قادر على حل هذه المعضلة. لكن تطرح على تواجد هؤلاء المراهقين العديد من الأسئلة: من هم؟ ما هي أصولهم الجغرافية؟ ثم كيف وصلوا إلى السويد التي تفصلها عن المغرب مسافة 4526 كيلومترا؟ تقف بالكاد من وراء عبورهم مافيات منظمة سعيها في الأخير أن يحصل الأطفال على حق اللجوء ومن تم على مساعدات تنتهي في الأخير إلى جيوب هذه العصابات. ما مسؤولية العائلات في الدفع بهم إلى الهجرة؟ ثم لا نعرف هل أدلى هؤلاء الأطفال بهويتهم الحقيقية لدى وصولهم إلى السويد أم انتحلوا هوية مزيفة؟ غير أن ملف ما أصبح يعرف بأطفال الشوارع من المغاربة، لم يكن الوحيد الذي تسبب في تسمم العلاقات بين البلدين، بل عمل ملف الصحراء المغربية على التصعيد من حدة التوتر بين البلدين، وذلك على خلفية اتجاه البرلمان السويدي إلى التصويت بالاعتراف بجبهة البوليساريو. وعلى الرغم من عثرات الدبلومسية المغربية في تدبير الملف، فإن الضغوطات المغربية من خلال تعليق المشاريع المشتركة بين البلدين، نجحت في الأخير في ثني الحكومة السويدية عن قرارها الشيء الذي خلق انفراجا بين البلدين، وهيأ بالتالي الظروف لمعالجة ملف أطفال الشوارع المغاربة. وذلك على الرغم من تشديد الطرفين على التمييز بين الملفين. وفي هذا النطاق يندرج الاتفاق الذي تم توقيعه بين البدين في التاسع عشر من هذا الشهر، والذي يفسح المجال لعودة الأطفال إلى المغرب. لكن إلى أي حضن؟ هل سيعودون إلى عائلاتهم أم إلى الشارع؟ كيف ستحدد الدولة هوياتهم وماذا ستقترح عليهم كبدائل لاحتضانهم وإدماجهم مع توفير سبل تشغيلهم كي لا يتصالحوا مجددا مع الأزقة؟ إن كان الناطق الرسمي باسم وزير الداخلية السويدي أنديرس يغمين، قد أوضح بأن ثمة لجنة مكونة من عناصر تنتمي إلى المجتمع المدني بالمغرب ستتكلف بمتابعة تحديد هوية الأطفال والسهر على الملف، فإن الطرف المغربي «ضرب الطم» ولم يفصح عن نواياه. ثم من سيستفيد من المساعدات التي ستقدمها السويد لإعادة إدماج هؤلاء المراهقين؟ لذا فالحاجة ماسة لتشكيل لجنة مهمتها مراقبة المساعدات المادية التي يجب أن تصرف في حساب بنكي باسم هؤلاء الأطفال كي يستفيدون منها بالكامل. أما إذا فشل مخطط إدماجهم فإنهم لن يترددوا مرة أخرى في القفز إلى ما وراء الحدود لعقد الصلة مع أزقة وشوارع شمال أوروبا.