شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

صيف بمعية العقارب..

يونس جنوحي

مع اقتراب الذكرى الأولى لزلزال الحوز وإقليم تارودانت، ما زالت قرى بأكملها في العراء إلى جانب المقابر التي تؤوي رفات ضحايا زلزال الثامن من شتنبر الماضي.

عندما تجول ببصرك على طول المنطقة الجبلية الفاصلة بين الحوز وتارودانت، لا يمكن أن تتجاهل أبدا منظر القرى المهدمة عن آخرها. ورغم أن بعض السكان حاولوا إزاحة ما استطاعوا من ركام الإسمنت والتراب، إلا أن المخلفات أثقل من أن تُزاح بهذه الطريقة البطيئة.

ورغم استمرار الجمعيات المحلية، والشراكات مع المجتمع المدني داخل المغرب وخارجه، إلا أن آلاف الأسر ما زالت تعيش في الخيام.

صحيح أن بعض العائلات تسلمت مفاتيح المنازل التي بُنيت حديثا في إطار عملية إعادة الإيواء، إلا أن الكثيرين لا يزالون ينتظرون دورهم، ويبددون ضجر أيامهم بقتل العقارب التي بدأت تغزو المناطق التي نُصبت فيها الخيام منذ شتنبر الماضي.

الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، كلها تشجع الزواحف التي لا يعلم أحد لها اسما، والعقارب والأفاعي، على البحث عن الظل والرطوبة، حتى لو كانت داخل الخيام التي تؤوي النساء والأطفال.

نحن الآن لا نزال في بداية يوليوز، ودرجات الحرارة القياسية التي نتفوق فيها على معدلات الحرارة حتى في بعض المدن الخليجية الواقعة في الصحراء الكبرى، لا تزال في طريقها إلينا، وهو ما يعني أن سكان الخيام سيعانون أكثر في مقبل الأيام.

حتى المنازل التي انتهت أشغال بنائها وسُلمت في الأشهر الستة الأولى بعد الكارثة إلى بعض الأسر، لا تتوفر فيها معايير التهوية الكافية. وبحكم أنها بُنيت بالإسمنت فإنها سوف تتحول إلى فرن صغير في عز الصيف، ولن تكفي نوافذها المتواضعة لتلطيف الجو داخلها. وهكذا فإن السكان الذين تم إيواؤهم وسُلمت إليهم مفاتيح المنازل، سوف يضطرون بدورهم إلى قضاء ليالي الصيف إما فوق أسطح تلك المنازل الصغيرة، أو في خيام أمام عتبتها لإحصاء أعداد العقارب والحشرات التي تتربص بهم.

شمس لافحة، لو تم استغلالها لتوفر نظام تبريد يكفي لكل ضحايا الزلزال الذين يسكنون الخيام والمنازل الإسمنتية. لو وفرت أجهزة تكييف تعمل بالطاقة الشمسية، لكان وقع الحر هذه الأيام أقل وطأة على سكان يستعدون في صمت لإطفاء الشمعة الأولى، وطيّ سنة كاملة قضوها بين الأنقاض وإحصاء الموتى وزيارة المقابر التي ظهرت في مساحات كان الصغار والشباب إلى وقت قريب يعتبرونها «ملعبا بلديا» للقرية.

اختفى بعض المنتخبين الذين كانوا يتحدثون في الأسابيع الأولى للزلزال إلى وسائل الإعلام، ويشكرون المتضامنين ويعدون بتوزيع المساعدات. كما لو أن الناجين لم يكونوا في حاجة سوى إلى علب الحليب المبستر وقنينات المياه المعدنية. إن السيناريو الذي كان يتخوف منه معظم شباب المناطق المنكوبة، هو أن يطالهم النسيان، ويُتركوا لعوامل التعرية مثلهم مثل التضاريس المنسية للمنطقة. وهو ما حدث فعلا للأسف.

هناك قرى في المنعرجات والتشعبات الجبلية، يتطلب الوصول إليها قطع ساعات من المسير، ما زالت في حكم المناطق المهجورة، قبل الثامن من شتنبر وبعده، واضطر من بقي على قيد الحياة من سكانها إلى إخلائها بحثا عن أماكن أخرى يصل إليها أفراد الجمعيات التي توزع المساعدات. ولو أنهم بقوا في تلك القرى، لماتوا منسيين تماما. إذ لم تصل إليهم لجان ولا مراقبون، منذ الثامن من شتنبر. وحتى الذين نجوا منهم، لولا أنهم نزحوا من القرى المهدمة وانتقلوا إلى جانب الطريق الوطنية، لماتوا وهم ينتظرون وصول الإعانات. إذ اتضح بعد كل هذه الأشهر، أن الكائنات الوحيدة التي تقطع المسافات بسرعة لتصل إلى القرى المنسية، هي الزواحف والعقارب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى