من الصدف الغريبة أن يتزامن تقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944، مع قرار الحماية الفرنسية بتعليق البطولة الوطنية وعوضتها بكأس الحرب. كما حاولت مصلحة الشباب والرياضة في حدود إمكانياتها، المحدودة جدا، أن تعنى بالتربية الرياضية للشباب بإحداثها مدارس رياضية بالمدن الكبرى. في عهد الحماية، كانت الرياضة العصرية شأنا استعماريا، فقد كان الأوروبيون يسيطرون على أغلب الرياضات، لكن مجموعة من الوطنيين جعلوا من الرياضة جبهة من جبهات الحركة الوطنية.
حسن البصري
اهتمت الإقامة الفرنسية ببناء الفضاءات الرياضية بالدار البيضاء، كما بادرت إلى تأسيس جمعيات رياضية غلبت فيها الحضور الفرنسي، كما جعلت من الفعل الرياضي أداة للتعايش بين الديانات والتلاقي بين الشعوب. لهذا لم يكن المنتخب الفرنسي في عهد الحماية يخلو من المغاربة، كما كان منتخب المغرب يضم في صفوفه يهودا ومسلمين.
كازابلانكيز.. مصنع أبطال البيضاء الأولين
وقع تفويت ملعب حديقة الجامعة العربية (لاكازا بلانكيز)، في عهد المجلس البلدي للدار البيضاء، قبل تقسيمها إلى خمس جماعات حضرية سنة 1976، لفائدة شركة تنمية السياحة بالمغرب (كورتوم) مكونة من خواص وشركة إسبانية، من أجل بناء فندق فخم ممتاز، من صنف خمس نجوم، وهو عبارة عن مركب سياحي، في غضون ثلاث سنوات من تاريخ المصادقة على القرار، وقد اتخذ التفويت في دورة المجلس لشهر أكتوبر 1974 برئاسة العربي السقاط.
عمر ملعب «لاكازا بلانكيز» التاريخي يرجع إلى بداية سنة 1930، وكان مكانا يمارس فيه تلاميذ مدارس الدار البيضاء، خلال عدة عقود، كما كان مكان تدريب أبطال مغاربة وصلوا إلى العالمية، برزوا في أنواع رياضة ألعاب القوى والعدو، مثل نوال المتوكل، وفاطمة عوام والمرحوم العياشي وغيرهم من الأبطال والنجوم.
بعد الاستقلال، استغلت جامعات وجمعيات رياضية الملعب كمقر لها: الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، عصبة الشاوية لألعاب القوى، الجامعة الملكية للجمباز، عصبة الشاوية للعبة نفسها، نادي (لاكازا بلانكيز)، الجامعة الملكية وعصبة الشاوية للملاكمة، الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة، الجامعة الملكية للمصارعة، عصبة الشاوية للمصارعة، عصبة الجامعة الملكية لكرة المضرب، الجامعة الملكية للهوكي، الجامعة الملكية للجيدو، الجامعة الملكية للكرة الطائرة، الجامعة الملكية للكرة المستطيلة، الجامعة الملكية للسباحة، الجامعة الملكية لكرة السلة.
تهافت بعض المستثمرين العقاريين والسياحيين، على «لاكازا بلانكيز»، المعلمة الرياضية التاريخية الواقعة في قلب مدينة الدار البيضاء، وزاد اهتمامهم بهذا المرفق حين لفه الإهمال.
ملعب «مارسيل سيردان».. شاهد على العصر
انطلقت أشغال بناء هذا الملعب في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، بغاية التخفيف من الضغط الذي يعرفه ملعب «فيليب» والذي لم تعد طاقته الاستيعابية تسمح بالفرجة، بحكم أن مدرجاته لم تتجاوز سعتها 500 متفرج، بينما يقضي باقي المتابعين المباريات وهم عرضة للازدحام.
كان بناء ملعب كبير بمواصفات عالمية (في تلك الحقبة الزمنية) مطلبا للمغاربة وللسلطات الاستعمارية أيضا، لكن هذه الأخيرة لم تكن تعلم أن فرقها لن تنعم بهذه المعلمة بعد أن بزغ فجر الاستقلال.
في السادس من مارس 1955 تم تدشين الملعب في منطقة المعاريف، واختارت له الحماية الاستعمارية بإيعاز من المندوب الرياضي للحكومة الفرنسية اسم «مارسيل سيردان»، تكريما لهذا الملاكم الذي توفي في حادث جوي حين تحطمت طائرته على صخرة جبل طارق.
لكن سنة بعد التدشين سيحمل الملعب اسم «الملعب الشرفي»، بعد أن تشرف الملك محمد الخامس بحضور نهائيات كأس العرش فيه، حيث كان يجلس في مدرجاته العادية، قبل أن يتم التفكير في بناء مقصورة رسمية.
بعد خضوع الملعب للترميم والإصلاح والتوسعة أيضا، استعدادا لاستضافة المغرب لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983، سينتهي العمل باسم «الشرفي» وسيحمل المركب الرياضي اسم محمد الخامس، بعد أن ضم قاعة مغطاة ومسبحا أولمبيا وملعبا ملحقا وفندقا ومرافق رياضية، حولته من مجرد ملعب للكرة إلى مجمع رياضي.
في عام 1949، عقدت السلطات الاستعمارية الفرنسية اجتماعا خصص للبحث عن بقعة أرضية لبناء ملعب كبير يليق بالسمعة الرياضية لمدينة الدار البيضاء. وحسب المستندات الرسمية، فإن قرارا وزاريا صادرا في العدد 819، من الجريدة الرسمية بتاريخ 7 أبريل 1950، والموقع من قبل محمد الحجوي، نيابة عن الصدر الأعظم (الذي اطلع عليه وأذن بنشره، بتاريخ 12 أبريل 1950)، وكذا الوزير المفوض، المعتمد بالإقامة العامة، فرانس لاكوست.
حسب الباحث يونس خراشي، فإن القطعة الأرضية التي بني عليها ملعب «مارسيل سيردان»، تعود إلى كل من ميشال كاسطون ومدام ميشيل كيي، الزوجة، وفابر بيير ومدام كالسيا طيريز، الأرملة، وأميكليو وألبيرطين لوشفانطون وإيم أميكليو وأولادها، ورولان وجوزيان ومفيلو، زوجة لوشفانطون.
يقع المركب على مساحة تقدر بـ12 هكتارا (الرسم العقاري 5387 د)، وهي المساحة التي تتضمن ملعب كرة القدم، والملعب الملحق، فضلا عن القاعتين المغطيين (إحداهما للرياضات المتعددة، كرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة وفنون القتال والجمباز والمسايفة وغيرها، والثانية للسباحة والغطس).
المسبح الأوروبي الذي غزاه السباحون المغاربة
بدأت أشغال بناء المسبح يوم 14 يوليوز 1934، وتم تصميمه من طرف المهندس الفرنسي موريس هيربيي، وذلك على الشريط الساحلي لعين الذئاب، والذي كان يعتبر أطول مسبح في القارة الإفريقية في زمنه، بطول 480 مترا وعرض قدره 75 مترا. كانت تشرف على تسييره بلدية الدار البيضاء، لكن بضوابط صارمة بالرغم من تناسل نواد خصوصية تضم مسابح أغلبها كانت موصدة في وجه «المسلمين».
تم بناؤه بمحاذاة المحيط وعملت السلطات الفرنسية على تزويده بماء البحر، كان يتوفر على أحدث التجهيزات ويعرف استقطابا واسعا للأوروبيين بالخصوص. كان يسع لأكثر من 14 ألف زائر، حقق في بدايته نجاحا كبيرا منذ افتتاحه سنة 1935، خاصة بوجود حوض مائي تم استغلاله كملعب للرياضات المائية، ومجموعة من تجهيزات القفز والغطس في الماء.
منذ 8 ماي 1937 وهو تاريخ تأسيس الوداد الرياضي بمنزل الحاج محمد بن جلون في المدينة القديمة، كانت الغاية من تأسيس النادي هو الحق في ممارسة نشاط رياضي في المسبح البلدي، وكانت البداية بفرع السباحة، لأن المسبح كان في نفس المدينة القديمة وكانت السلطات الاستعمارية قد منعت المغاربة من ولوج المسبح الخاص بالمنافسات في إجراء عنصري، لذا ارتأى المؤسسون أن يكون ولوج المغاربة عبر ناد قائم الذات ينافس الفرنسيين ليس فقط على السباحة، بل أيضا على الألقاب، سيما وأن أبناء المدينة القديمة تمرسوا بالبحر وفيه كانوا يمارسون هوايتهم المفضلة، أبرزهم البطل التاكموتي، وكذا عاطف، شقيق عبد السلام، لاعب الوداد. بعد التأسيس شارك الفريق في مسابقات السباحة وكرة الماء، ونافس الأجانب في رياضة تخصصوا فيها.
سيتم التخلي عن هذا المركب تدريجيا، إلى أن تم هدمه خلال الثمانينيات، لتحل مكانه معلمة القرن العشرين مسجد الحسن الثاني.
الفيلودروم.. من مدار لسباق الدراجات والرهان إلى حديقة
شيد ملعب «الفيلودروم» سنة 1922، وكان يتضمن حلبة سباق الرهان الوحيدة في المغرب، لكن تاريخه في عالم سباق الدراجات يشفع له، حيث شهد تتويج رواد سباق الدراجات، مثل ميشيل سيردن ومحمد الكورش وغيرهما من الدراجين. في هذه الفترة كان الأجانب هم الأكثر ممارسة للعبة، وكان طبعا بعض الجزائريين واليهود المغاربة. كما أن الطواف في مدار الفيلودروم كان يجلب دراجين بارزين من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وكان يطبعه الحماس الشعبي الكبير، حيث كان يمر في جو احتفالي. وحين تأسست الجامعات بعد الاستقلال، جعلت مقرها في هذا الفضاء.
في الثامن من يوليوز 2021 تم افتتاح الحديقة الحضرية الفيلودروم في وجه العموم، بقلب حي راسين الراقي، حيث أصبح بإمكان البيضاويين الآن الاستمتاع بفضاء جديد للاسترخاء والترفيه. ويندرج مشروع إعادة تأهيل وتثمين ملعب «فيلودروم أنفا» في إطار استراتيجية شاملة لحماية وتثمين الموروث الثقافي المادي واللامادي والطبيعي لمدينة الدار البيضاء. وتمت إعادة تأهيل هذا المكان التاريخي المعروف لدى جميع البيضاويين والمصنف كتراث وطني في عام 2013، قصد تثمينه مع الحفاظ على مرافقه التراثية الرئيسية، منها المنصة التي يعود تشييدها إلى عام 1927، وتم إعادة تأهيل المنصة كجزء من المشروع والمضمار الذي يبلغ طوله 320 مترا الذي تم تحويله لإحداث حديقة حضرية للاسترخاء والترفيه. وكانت الخطوة الأولى إجلاء شركة الرهان بالكلاب وإفراع الملعب، ونقل الكلاب إلى وجهة أخرى.
لافوار.. معرض وقاعة للرياضة
كان معرض الدار البيضاء، حين تأسيسه عام 1915، يحمل اسم «المعرض الفرنسي المغربي»، وكانت الغاية منه ترويج المنتجات، بل إن معرض نظمته السلطات الفرنسية يرجع إلى الفترة ما بين 5 شتنبر و5 نونبر 1915 في مدينة الدار البيضاء الخاضعة للحماية الفرنسية. كان الهدف منه تشجيع العلاقات التجارية بين فرنسا والمغرب، وإظهار قوة فرنسا في المنطقة، رغم استمرار الحرب العالمية الأولى.
لكن لقاعات المعرض استعمالات أخرى خارج نطاق المعرض الدولي، خاصة في مباريات كرة السلة والمصارعة والكاتش، حيث كانت تستقطب نزالات قوية لأبطال مغاربة وأوروبيين، أبرزهم الحاج فنان، أسطورة المصارعة المغربية والعربية، حيث لازالت ما زالت ردهات معرض الدار البيضاء شاهدة على نزالات مثيرة ومشوقة خاضها الحاج فنان في مواجهة أبطال مغاربة وعرب وأجانب، إلى جانب البطل الفنان حسن الصقلي ومصطفى عدنان والعبدي وعنتر وإدريس وباوزن والكيحل والعياشي..
في أول زيارة لمحمد علي كلاي إلى المغرب سنة 1972، زار الملاكم العالمي قاعة المعرض الدولي التي كانت معدة لاحتضان إحدى مبارياته، لكن مدربه فضل وضع حلبة للملاكمة في الملعب الشرفي.
كان الضيف الرياضي الكبير مرفوقا بطاقمه التقني والإداري، وعلى رأسهم مدربه أنجليتو دوندي ذو الأصول الإيطالية، وبأحد منظمي المباراة الاستعراضية التي خاضها في الدار البيضاء، والمرافق الخاص جورج كونتير، لكن ملاكما يهوديا من أصول مغربية يدعى ماكس كوهين كان حاضرا كظل الضيف الكبير.
قضى كلاي أربعة أيام في المغرب، تمرن في قاعة المعرض الدولي، وخاض النزال الاستعراضي ضد ملاكم مالي مشاكس يدعى باكايوكو سونكالو في حلبة بالملعب. كان الهدف من المبارزة الاستعداد لمباراة قوية كانت ستجرى بعد شهر ضد الملاكم فلويد باتيرسون، والتي مكنت كلاي من المحافظة على لقب بطل الوزن الثقيل باتحاد أمريكا الشمالية للملاكمة، للسنة الثانية على التوالي. اختارت الجامعة الملكية المغربية الحكم الدولي المغربي العربي هواض لتحكيم الحدث العالمي، بالرغم من طابعه الاستعراضي، بينما أسندت لحكم دولي مغربي آخر يدعى الطيب وهبي قيادة مباراة رفع الستار.