صور خاطئة عن الإسلام
لم يتقبل جزء كبير من صناع الرأي والإعلام الفرنسيين إعلان سارة بترونين الرهينة الفرنسية بمالي لإسلامها وتغييرها لاسمها لكي يصبح مريم. فهناك من اتهمها بفقدانها لقدراتها العقلية بسبب سنوات الاحتجاز وهناك من قال إنها أصيبت بمتلازمة ستوكهولم وأنها سقطت في حب جلاديها.
حتى أن سياسيين تساءلوا هل كان ضروريًا مقايضة حريتها أصلًا.
إعلان سارة لإسلامها ضرب جميع خطط الدولة الفرنسية العميقة وإعلامها في الصفر، فما كانت تخطط لإعلانه بوصفه انتصارا تاريخيا بتحرير آخر رهينة فرنسية من يد الجماعات المسلحة تحول فجأة إلى كابوس بعدما أعلنت الرهينة المحررة أن خاطفيها عاملوها باحترام وأنها تنوي العودة إلى مالي. فبالنسبة لها فما يوجد في مالي جماعات مسلحة تحارب الحكومة للحصول على السلطة. لهذا فما قامت به مريم هو إعادة طرح مفهوم الجماعات الإرهابية، وهو موقف أربك الجميع بالنظر إلى العمليات المريعة التي نفذتها الجماعات المسلحة باسم الدين ضد من يخالفونها الرأي.
لكن يبقى طرح مريم لهذا النقاش ذريعة لتعرية القناع عن الغرب المنافق الذي سلح المجاهدين الأفغان عندما كان يحتاجهم لمواجهة الروس ثم قصفهم عندما اعتبرهم إرهابيين وطاليبانيين، قبل أن يجلس للتفاوض معهم في قطر استعدادا لمنحهم السلطة.
ثم ألم تكن فرنسا نفسها عندما كانت تستعمر الجزائر وتذبح أبناءها تسمي المجاهدين المنتمين لتنظيم FLN بالإرهابيين، ثم بعد ذلك جلست تتفاوض معهم وأصبحوا هم من يحكم الجزائر بعد الاستقلال.
لكن ما يجهله هؤلاء المهندسون الذين يخططون وراء الستار لمحاصرة الإسلام عبر خلطه بالإرهاب والحركات المسلحة التي تخدم أجندات سادة الحرب هو أن هذا الدين كلما تعرض للتشويه كلما انتشر، لأن من يتولى أمره ليس المسلمون بل من أنزله وأقسم أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ولنا أمثلة كثيرة بهذا الصدد، ففي الجزائر قامت الثورة ضد فرنسا باسم العروبة والإسلام، والشيخ البشير الإبراهيمي، ما يوازي شيخ الإسلام عندنا، كان أحد قادة الجهاد ضد المستعمر الفرنسي الذي استهدف طيلة قرن ونصف هوية الجزائريين الدينية واللغوية، وهكذا نجحت الثورة الجزائرية في طرد فرنسا بعد قرن وثلاثين سنة من الاضطهاد والمحو.
وبومدين، رغم أنه خريج مدارس فرنسية، فإن أول شيء قام به عندما وصل إلى السلطة هو التعريب.
وفي تركيا جاء مصطفى أتاتورك وفرض العلمانية لسبعين سنة وحذف كل مظاهر الإسلام، بعدها جاء الإسلاميون واستطاعوا أن يعيدوا الإسلام إلى الواجهة وأن يجعلوه مرادفا للرخاء الاقتصادي والنمو.
في دول آسيا الوسطى ظلت جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا تحت سيطرة الشيوعية ذات النزعة الإلحادية منذ الثورة البلشفية سنة 1917، ويوم انهار الاتحاد السوفياتي عادت الجمهوريات إلى حضن الإسلام، واستطاعت الشيشان وتركمنستان وتادجيكيستان وغيرها أن تتحلل من الإديولوجيا الشيوعية الإلحادية وأن تعود إلى عقيدة التوحيد
ومن بين الصور الخاطئة التي يلصقها الغرب بالإسلام هي أنه دين يهدف إلى أسلمة العالم، وهذا ليس صحيحا لأن الإسلام الحق يحمي حرية العقيدة. إذ لا يمكن إجبار شخص على اعتناق دين ما أو الالتزام بالممارسات الدينية، والقرآن واضح في هذا الشأن “لا إكراه في الدين”.
يريدون أن يظهروا الإسلام كدين يفرض نمطا واحدا من الحكم، لكن في الإسلام لا يوجد وجه واحد للحقيقة وخاصة في ما يتعلق بالحكم. لقد شدد القرآن الكريم على ضرورة التشاور في التسيير بين المسلمين، وهو ما يمكن تسميته حاليا بالديمقراطية.
لقد وضع القرآن الكريم شروطا تدعونا إلى التفكير واستخدام العقل. هناك أسس يجب احترامها قبل تطبيق القوانين المنصوص عليها في القرآن، فالله تعالى يخاطب عباده بوصفهم قوما يتفكرون ويعقلون، أي يستعملون ملكة التفكير وأداة العقل لفهم أمور دينهم.
ولعل أكبر مغالطة يركب عليها الغرب وأعداء الإسلام عموما هي تنصيص ديننا على فريضة الجهاد، علما أن الجهاد في الإسلام لا يقصد به الحرب أساسا. وتعتبر كلمة الجهاد كلمة مخيفة، مع ذلك فنحن نحتاج بشدة إلى مبدأ الجهاد بعد فهمه وتخليصه من الرعب الذي يغلفه، فالجهاد يعني الكفاح، محاربة النفس ومحاربة الجهل.
والمجاهد في الإسلام هو الإنسان المكافح الذي يحظى في ديننا بمكانة مهمة، تماما كالقديس في الأديان السماوية الأخرى. لكن الكفاح لا يرتبط دائما بخوض معركة أو حرب، فالمعارك والحروب مقيدة بشروط في الإسلام، إذ لا يمكن الإعلان عن حرب وقت ما أردنا ذلك أو لأننا نريد إثارة الانتباه، وإلا فهذا الفعل يعتبر مذموما، فلا يمكن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
وما يغيب عن أفهام العامة هو أن الجهاد طموح لخلق حياة أفضل على سطح الأرض. أما الحرابة فتكون فقط وقت اللزوم، أي عند التعرض للأذى والعدوان. ويجب العمل بالجهاد انطلاقا من مضمونه الإنساني، والذي يجعل الإنسان فاعلا وأقل أنانية. أحسنكم أنفعكم لغيره.
وطبعا لم يكن عن طريق الصدفة اختزال مفهوم الجهاد في شن حرب بدائية وإرهابية، فالهدف من ذلك كان هو شيطنة مفهوم الجهاد، الذي ليست الحرابة سوى مرتبة من مراتبه. فالجهاد في الإسلام هو جهاد من أجل الحياة، حياة كريمة وذات معنى.
لماذا إذن يستمر الإسلام في جلب اهتمام العديد من الناس على الرغم من الصور القاتمة التي يروجها الإعلام عنه؟
أو ما هي قيمة ديانة أضحت منبوذة ومحاربة من لدن قوى عظمى ومتهمة بتهديدها للأمن والسلام العالمي؟ وفيم يختلف الإسلام عن الديانات الأخرى؟
لا تعتبر الشعائر والفرائض الإسلامية كالصلاة والصوم والحج والتصدق هي الأكثر أهمية في هذا الدين الذي يريد له الله أن ينتشر ويتم نوره ولو كره الكافرون، لأن الديانات السماوية الأخرى بدورها أوصت بهذه الأمور، حتى قبل بزوغ فجر الإسلام.
مخطئ للأسف كل من يختزل إشكالية الإسلام في المآذن والمساجد وطريقة الملبس.
فالإسلام لم يكسب قلوب الملايين لأنه يأمرنا بوضع جبهتنا على الأرض 17 مرة في اليوم ولا بجز عنق شاة مرة كل سنة، وإلا لكانت هذه الأمور قد أخذت طابعا هزليا.
لم يتخلف الإسلام عن باقي الديانات لأنه أمر بارتداء المرأة للنقاب أو الحرمان من الأكل طيلة اليوم، بل إن الله أراد الإسلام خاتم الرسالات لأنه يحمل الأكثر نبلا وروعة، كلمتان فقط تكفيان للتعبير عنه، كلمتان فقط لشرح قوته ولماذا لم يتمكن أي نبي غير الرسول عليه الصلاة والسلام من تطبيقه كما ينبغي، كلمتان فقط لتلخيص كلمة الإسلام وهما الحرية والمساواة، ففي الإسلام جميع الناس سواسية.
وأول شرط من شروط الإسلام هو الحرية، إذ لا عبودية ولا خنوع لغير الله، ويجب أن تكون جميع الشعائر مشروطة بهذا المبدأ.
وهنا تكمن عظمة هذا الدين.