صناع الفرح
تحولت عدد من المدن المغربية إلى ساحات للاحتفالات العفوية، بانتصار المنتخب المغربي على نظيره البلجيكي في إقصائيات المجموعات بمونديال قطر. بداية ليس من السهل أن ترى، في ظل سياق اجتماعي صعب، مثل هذه الابتسامات والفرح على سلوك ووجوه المغاربة، فهم، منذ ثلاث سنوات على الأقل، مهمومون بتجاوز أصعب أزمة ومنشغلون بارتفاع مستوى المعيشة وصدمات الأسعار، لكن فريقا من 11 لاعبا نجح في ما فشلت فيه الطبقة السياسية، فريق من لاعبين أخرج الشعب للفرح بالشوارع، فيما السياسيون يخرجون المواطنين للاحتجاج والغضب على قراراتهم.
للأسف اللعبة السياسية بمعظم لاعبيها تحولت إلى مصدر جالب للغضب والحزن والاحتجاج. والخطير أنها تغتال في المواطنين كل روح المتعة وأحاسيس الفرح، سيما حين يكون النشاط السياسي مصحوبا باتخاذ قرارات تؤثر سلبا على عيش المغاربة. والواقع، الذي لا يرتفع، أن بعض اللاعبين السياسيين حولوا السياسة من نشاط لتحقيق المصلحة العامة وخدمة الوطن، وجلب السعادة والخير العام للمواطنين إلى نشاط يحرِّضُ على العنف اللفظي، ويحقن نفوس المواطنين بالبُغض والكُره وانعدام الثقة في المؤسسات.
إن الدرس البليغ الذي يقدمه المنتخب المغربي في كأس العالم بقطر بسيط للغاية، يمكن أن تستفيد منه أي جماعة تتحمل مسؤولية الدفاع عن البلد، فريق رياضي يعرف ماذا يريد.. وكيف يصل إلى ما يريد.. ويفعل كل شيء لتحقيق ما يريد. وبدون شك فإن وجود منسوب من الوطنية الصادقة وهم الدفاع عن صورة الوطن بين الأمم، جعل لاعبين، معظمهم ولدوا وترعرعوا بالمهجر، يتحولون في المونديال إلى أشباه جنود أشداء يقاتلون بسراويل قصيرة وانضباط فعال داخل رقعة الملعب، وهذا بالضبط ما ينقص بعض السياسيين المغاربة الذين يظلون يصنعون النكد يوما بعد يوم دون إنجاز يذكر.
إن حالة انتصار المنتخب المغربي، حتى لو كانت مؤقتة، ولا بد أن أثرها النفسي سيرحل بعد حين، تعكس إرادة في الانتصار والرغبة في إدخال الفرح إلى قلوب المغاربة. قد يقول البعض عنها إنها مجرد رحلة للهروب من واقع متخم بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، لكن دور المنتخب ليس صناعة القرارات العمومية، فهذا دور فرق الحكومة والبرلمان ومسؤولي الجماعات الترابية ومسؤولي المؤسسات والمقاولات العمومية، وعليهم أخذ العبرة من فريق صنع الأمل في زمن الألم.