شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

صناعة التُراب

 

مقالات ذات صلة

يونس جنوحي

 

تقول وكالة الطاقة الدولية، في آخر نشرات توقعاتها التي لا تشبه في شيء قراءة الفناجين، إن صناعات الطاقة النظيفة، مثل توربينات الرياح وأجزاء السيارات الكهربائية، سوف تحتاج إلى سبعة أضعاف المعادن والمواد الطبيعية المُستخرجة من الأرض بحلول سنة 2040. أي أن الموارد الطبيعية، خصوصا المعادن التي تدخل في صناعة الإلكترونيات، تعرف إقبالا كبيرا من طرف الدول المصنعة والرائدة في هذا النوع من الصناعات الدقيقة المعقدة. وعمليا توفير سبعة أضعاف الكمية التي تُستهلك الآن يعني أن الأزمة لم تبدأ بعدُ.

الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الرائد في الأبحاث المتعلقة بالطاقة النظيفة، تُخزن، في منطقة «ماونتن باس»، العينات التي تتعلق بالمعادن المُعتمدة في الصناعات الدقيقة، خصوصا صناعات الرقائق المرتبطة بالبرمجيات. وهذه الشركة، التي تشرف على المنجم الوحيد من نوعه في العالم، وقعت قبل سنوات عقدا مع وزارة الدفاع الأمريكية لرفع معدل مستوى بعض المواد المستعملة في استخراج المعادن، حتى تتمكن من استخراج معدن «الديسبروسيوم». والمشكل، بحسب ما نشرته صحف دولية على رأسها «نيويورك تايمز»، يتمثل في أن التنقيب يستغرق سنوات لتحقيق تقدم في عملية الحفر.

لا يمكن نهائيا تصنيع الحواسيب والهواتف التي تدعم الذكاء الاصطناعي، الذي يشغل الناس في العالم كله، بدون استعمال معدن «الديسبروسيوم» عالي النقاء، لصناعة الشريحة الإلكترونية لهذه الأجهزة.

لكن المتخصصين هذه الأيام، بحسب تقرير نشر قبل أسابيع، متخوفون جدا من المساعي الصينية في هذا الباب. إذ إن الصين تركز حاليا على التقدم في مجال الكيمياء، المرتبط بمصافي التكرير المستعملة في استخراج المعادن من الأراضي النادرة بتكلفة منخفضة. التقرير يقول إن الصين لديها 39 جامعة تتوفر على برامج لتدريب المهندسين والباحثين في صناعة الأتربة النادرة! أي أن الصينيين لم تعد تكفيهم الأرض الحالية، وبدأوا يشتغلون على تطوير الأتربة التي توفر عينات من معادن نادرة تُستعمل في الصناعات التكنولوجية الحديثة. الخبراء يقولون إن هذه الخطوة تشكل خطرا على العالم، سيما أن الصين تخطط لاحتكار نظام سوق الإنتاج والتحكم فيه، مما سيمنحها القدرة على الضغط على الدول الأخرى لكي توفر لها متطلباتها من المعادن.

وبحسب ما نشرته صحف آسيوية نقلا عن «نيويورك تايمز»، فإن بعض التقارير التي تداولها الباحثون في أكتوبر الماضي، تؤكد أن الصين بدأت فعلا عملية الاحتكار.. إذ إن شركة كندية رائدة في مجال استخراج المعادن أعلنت أنها ستبيع مع نهاية هذا العام 86 بالمئة من مصفاة رئيسية إلى شركة صينية متخصصة في الاستخراج والتنقيب عن الموارد. وهي الأخيرة تُعتبر وزارة الموارد الصينية أكبر مساهم فيها. أي أن الشركة الكندية ستصبح تابعة للحكومة الصينية، وقد جرى بالفعل نقل إدارتها إلى إحدى المقاطعات الصينية. وهذه الشركة تنشط أساسا في مجال التنقيب عن «الديسبروسيوم»، أي أن الصين تضع يدها الآن على مجال تصنيع الأجهزة التي تدعم تقنية الذكاء الاصطناعي.

الخبراء يسمون ما قامت به، وتقوم به، الصين، سيطرة على سلاسل موارد الإمداد الأرضية النادرة.

قد لا يصدق أحد أن الصين تبحث الآن في مجال صناعة الأتربة لتوفير أراض تُستخرج منها المعادن، بعد أن أطبقت يدها على مناجم العالم. حتى أن التقارير التي تُحذر من هيمنة شركات المناجم الصينية على دول إفريقيا الفقيرة واستغلال مواردها لتصدير المعادن من القارة الأم إلى الصين مباشرة، لم تعد تُقلق أحدا. وكيف لا تكون صناعة التراب متوقعة والعالم نجح في الترويج للحوم المصنعة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى