صمت ذوي القربى
أمام صمت مطبق وغير مبرر ومريب من جانب النقابة الوطنية للصحافة والمجلس الوطني للصحافة وفيدرالية الناشرين، يواصل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، جلده اليومي لجزء من الجسم الإعلامي، متفننا في شتم عدد من الصحفيين المستقلين الذين يصنفهم ضمن دائرة الأعداء الخارجين عن الأبواق المكلفة بتسويق وتلميع صورته وصورة الحزب الحاكم.
ولا يتوانى من كان يحتل إلى وقت قريب المركز الثالث في الهرم الدستوري للدولة، وأمام صمت المؤسسات التمثيلية للصحافة، في تعنيفه ماديا ومعنويا لبعض الأقلام المزعجة له، لا لشيء سوى لأن أصحابها يقومون بمهمتهم في نشر الأخبار وإمداد الرأي العام بالمعلومة الموثوقة ونشر غسيل من يدعون الطهرانية السياسية والأخلاقية، وهذه مهمة الصحافة في كل أرجاء العالم.
وبدون أدنى شك، فإن عدم تحرك ممثلي الجسم الصحفي لوضع حد لوابل الشتم والتشهير والتهديدات التحريضية التي يطلقها بنكيران في حق الزملاء، يعتبر في حد ذاته تواطؤا معه وتبنيا ضمنيا لمواقفه التي تريد تكميم الأفواه وقمع حرية الصحافة لأنها تتحدث عن استفادته من أوجه متعددة للريع السياسي.
نتفهم أن تبتلع بعض المنابر والمواقع التي تقتات على عطف وإشهارات وزراء «البيجيدي» تجاه تجاوزات بنكيران، فهؤلاء تعودوا على الأكل من كف بنكيران وإخوانه، لكن أن تصمت نقابة الصحفيين والفيدرالية ومؤسساتهما التمثيلية التي يفترض أنها «درع لحماية الرأي وحرية الصحافة»، فتلك هي المشكلة، وأن تعتبر نفسها غير معنية بتهجمات بنكيران فتلك إدانة مضاعفة، لكونها تقر بأن ما يفعله رئيس حكومة سابق خرج عن حدود اللباقة واللياقة التي تفترض في من شغل مثل منصبه، أمر عادي لا يحتاج إلى رد فعل، فتلك طامة.
لنكن أكثر وضوحا، نحن لا نستجدي الدفاع عنا من أحد، فنحن قادرون على ذلك وزيادة كما يقول الفقهاء، لكن نشعر بالأسى ونقابة الصحفيين والمؤسسات الممثلة لمهنة المتاعب تسمع وترى يوميا رئيس حكومة عاطلا يشغل هاتف سائقه لنقل «لايفات» مثيرة للسخرية ومليئة بالحقد تجاه الصحفيين، مدعوما ببلاغات تأييد سياسية من الأمانة العامة لحزبه. وما يجعل صمت النقابة والبرلمان الجديد للصحفيين والفيدرالية أقوى وأشد على الصحافة المستقلة من كلام تافه لمسؤول يبحث عن صناعة «البوز» والعودة للأضواء بأي طريقة، هو أن تقف تلك الهيئات مكتوفة الأيادي أمام اتهام صحفيين بالانتماء لحزب الفساد ورميهم بالفسق والكذب دون أن تنبس ببنت شفة.
لذلك، فلا نظن أن مثل هاته المؤسسات تصلح لشيء، إذا لم تتصد لخروقات السياسي وضمان حق الصحفيين في ممارسة مهامهم في التعبير ونشر الخبر، وإلا تحولت إلى إطارات جوفاء تحترف لغة الصمت وغير قادرة على إعطاء أي موقف، مستعينة بمقولة «وكم حاجة قضيناها بتركها».
إلا إذا كانت هذه الإطارات متفقة مع ما يقوله بنكيران في حق الصحافيين، فهذه قصة أخرى.