صمت الحملان
متى تتحرك الآلية التواصلية للحكومة إذا لم تتحرك الآن لتفسير والإعلان عن الخطوات التي اتخذت والتي ستتخذ لمواجهة لهيب الأسعار الذي تعرفه الخضر والفواكه واللحوم والأسماك في كل أسواق المملكة؟
في كل بقاع الدنيا، يخرج المسؤولون في الحكومات في كل المنابر الإعلامية والمواقع، للتفاعل مع هواجس الرأي العام ووضعه في الصورة وبعث رسائل الطمأنة تجاه أوضاعه الاجتماعية، لكن وزراءنا، للأسف، يضربون على أفواههم جدارا من الصمت ويحيطون أنفسهم بطوق من السكوت، ويختبئون وراء شعار نحن وزراء «الأفعال لا الأقوال»، والحال أنه لا يلغي أحدهما الآخر، وبالعكس في فترة الأزمات، تكون الدول في أمس الحاجة إلى تواصل الوزراء كل في المجال الذي يعنيه.
وللأسف قلة هم الوزراء المحسوبون على التقنوقراط الذين خرجوا منذ تنصيبهم للتواصل مع الرأي العام والتحدث بشأن الأزمات الظرفية التي تهم قطاعاتهم. والغريب في الأمر أن وزراء السياسة يريدون أن يرسخوا تقليدا سيئا في تدبيرهم، مفاده أن المسؤول الجيد والكفء يبقى صامتا في لحظة الأزمات التي تهم اختصاصه، وإذا ما تفوه بكلمة فينبغي أن يتم ذلك في جواب برلماني أو ندوة أسبوعية أو برنامج إعلامي «مأمون الأسئلة».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تصلح جيوش المسؤولين المركزيين والجهويين بالوزارات، والتي تتقاضى الملايين من المال العام، إذا لم تتم الاستعانة بها بحكم تحكمها في عناصر الجواب للتخفيف من صدمات الأسعار وتوضيح الأسباب وتنوير وإقناع الرأي العام، بدل كل هذا الصمت المطبق الذي يخيم على وزراء الحكومة؟
من حق المواطنين دافعي الضرائب، الذين يكتوون يوميا بنار الأسعار الملتهبة ويتأهبون لاستقبال أيام صعبة بسبب ما يجري في العالم من تحولات جيواستراتيجية ومناخية، الوقوف على حقيقة الأمر والاطلاع على تفاصيل الأزمات المتتالية وكيفية وصوله إلى تلك المستويات الآمنة في معيشتهم، فهم لا يطلبون إحسانا بل يريدون واجبا مفروضا على حكومة منتخبة.
ما ينبغي أن يفهمه وزراء الحكومة أن شعار «الصمت حكمة» لا يضمن لهم البقاء والاستمرار في مناصبهم، وما يجب أن يستوعبوه أكثر هو أن المعادلة السياسية التقليدية التي كانت متبعة منذ عقود، والتي تلجم المسؤولين الحكوميين عن الحديث بالشأن العام، انتهت صلاحيتها باعتماد دستور يؤمن بالمسؤولية والمحاسبة والطابع البرلماني للنظام الدستوري، ولا يعيب الوزراء ولا يهدد منصبهم أن يخرجوا ليدافعوا عن سياساتهم وقطاعاتهم حتى ولو ارتكبوا بعض الهفوات. فالمعيب حقا أن يبقى الوزير صامتا تجاه ملف الأسعار وهذا لا يعني إلا شيئا واحدا أن الوزير المعني عاجز عن إيجاد الحل.