الرئيسية
صلاح الدين أبوالغالي عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة في حوار مع الأخبار
إذا تم إهمال البعد الفلسفي من طرف لجنة بنموسى فسوف تكون مدرسة الحزب الحاكم هي المنتصرة
أجرى الحوار : سعيد أبو الخير
في هذا الحوار مع صلاح الدين أبوالغالي، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، يتناول عددا من القضايا الاجتماعية والسياسية بالمغرب، ويعبر عن موقفه بشأن طبيعة الصراع الداخلي والاستحقاقات التنظيمية لـ«البام» والانتظارات المرتقبة من المؤتمر الرابع للحزب. النائب البرلماني، والأستاذ الجامعي الزائر بكلية الحقوق بالدار البيضاء، يسلط الضوء، أيضا، على الجدل القائم حول بعض المواضيع الدينية والفكرية ونقط الخلاف مع منهج الحزب الذي يقود الحكومة، ويكشف رؤيته لعلاقة الدين بالسلطة وموقفه بخصوص تبني الحداثة وتوصيات لجنة النموذج التنموي.
- مر حزب الأصالة والمعاصرة بصراع غير مسبوق، واليوم قيادات الحزب تتحدث عن طي الصفحة وأنتم مقدمون على المؤتمر الوطني الرابع. ما رأيكم في ما يحصل؟
حزب الأصالة والمعاصرة ليس بصحة جيدة، ولكن صحتنا السياسية نحن كمناضلين اليوم أفضل من السابق. نحن نخرج من حقبة كانت فيها القوى الحية للحزب محاصرة بالبيت الداخلي في حين أن طاقاتنا اليوم تشهد انبثاقا للتفكير في مواجهة اهتمامات المجتمع المغربي والتحديات الحقيقية لمغرب الغد. أردنا أن نعلن أننا لن نكون صامتين، وتشخيصنا لمشاكل مجتمعنا أمر لا غبار عليه وسنربط الصلة من جديد بمشروعنا الأولي للحزب ولكن ضيق الوقت والصعوبات التنظيمية جعلتنا نفقد اتجاه وجوهر المشكلة، التي هي مشروعنا السياسي، فطالبنا بتبيانه والدفاع عنه في الفضاء العام بشجاعة واقتناع. الأجدر هو القول إن هنالك خلافات داخلية قليلا ما تهم المصلحة العامة، وفي ظل مشروع حزبي لم يتم تجويد أدواته ومفاهيمه في حزب باعتباره يمثل ثاني قوة سياسية بالبلاد، على الأقل على المستوى الأدبي والفلسفي، والقيادات هي التي من المفروض أن تواكب تطلعات المناضلين والمغاربة بشكل أعم. شبيبة حزبنا تتساءل حول القيم ومواقفنا تجاه ما يحدث في بلدنا والأحداث الراهنة والرأي العام أيضًا، أردنا أن ندق ناقوس الخطر من خلال نداء المستقبل، من أجل العودة إلى ما هو أساسي، البناء واقتراح البديل. - هل كان هذا الصراع ضروريا؟
إنه تمرين في تدبير الاختلاف لحزب الأصالة والمعاصرة، وحافز جديد للديمقراطية الداخلية، سننجح جميعًا معًا، أنا متأكد من ذلك. فلأول مرة سيتقدم المرشحون للأمانة العامة لحملتهم خلال خمسة عشر يوما وهذا في حد ذاته ثورة نمطية، حيث سيحوز الرئيس المقبل على شرعية ديموقراطية وحقيقية من شأنها أن توحد الصفوف خلفه في حين أننا سئمنا التركيبات الهجينة والتي يسميها البعض التوافقات. فعلى سبيل المثال، عرف حزب الأصالة والمعاصرة خمسة أمناء عامين في عشر سنوات، وهو أمر غير معتاد، وحتى إن كان هذا الأمر لم يمنعنا من الحصول على أكثر من 100 مقعد في مجلس النواب، وإدارة 5 جهات من أصل 12 جهة، ناهيك عن رئاسة معظم الجماعات، فبالتأكيد أنه لم يساعدنا في بناء مشروعنا، فيتعين علينا تغيير الوضعية الراهنة ووضع الحزب في رؤية جريئة. وهذا ما بدأناه منذ أكثر من سنة وسوف نستمر عليه في مؤتمر 7 فبراير المقبل.
ومن جانب آخر، يسعى منافسونا إلى شيطنة حزبنا دون أن يصدر عنا أي رد، وكمثال على ذلك، عندما بدأنا النقاش حول تقنين استعمال القنب الهندي لأغراض طبية، اتهمنا الحزب الحاكم بأننا نسعى إلى تخدير المغاربة، وقد نجحوا في تسويق هذه الصورة ليس من خلال طرح أفكارهم أو نقدهم المنعدم أصلا، ولكن كون حزبنا لم ينجح بعد في بلورة مشروع حداثي وأصيل، قادر على التصدي لقوى الظلام المسيطرة، مع أنهم يستفيدون من تفشي الجهل وتقديسه. التحدي كبير جدا ويستوجب وضع أطروحات وخطط أعمال جديدة، لذا نريد التزاما جديدا وطريقة جديدة لإدارة الحزب، بالإضافة إلى رغبتنا في فلسفة سياسية جديدة، فبدون ذلك سينتهي بنا الأمر إلى فوز منافسنا الرئيسي للمرة الثالثة على التوالي في الانتخابات، بكل تبعاتها الكارثية. - ما هي قراءتكم لمفهوم الحداثة التي تبناها حزبكم، وأين تتجلى في نظركم؟
الحداثة التي ندافع عنها اختفت مع الأسف وسوف نعمل على استعادتها لتشكل قاطرة للمغرب الحديث في مواجهة الأفكار الظلامية المتفشية التي تسعى إلى الحفاظ على العقليات المتخلفة، التي ما زالت تكلفنا أضرارا اجتماعية واقتصادية باهظة. كانت لدى مؤسسي الحزب فكرة عظيمة، نطمح إلى تبنيها وترجمتها إلى أفعال، ولتحقيق ذلك يجب أن نتحرك بسرعة قبل فوات الأوان.
أول شيء يجب فعله هو التفكير في استبدال مصطلح «المعاصرة» بـ«الحداثة». لنكون قبل كل شيء منسجمين مع أنفسنا. إن جميع الأحزاب معاصرة، أي » «contemporain وجميع الناس كذلك على اختلاف جنسياتهم. مصطلح «معاصرة» لا يحمل أي مشروع سياسي ولا يعني أي شيء في السياسة. الترجمة الدقيقة لمصطلحModernité» » باللغة العربية هي «الحداثة». لنبدأ بتحديد الشروط الناجعة من أجل تبليغ الأفكار الجيدة.
إن معركتنا الأساسية هي التصدي للعقليات الرجعية، فهذه المعتقدات راسخة في أذهاننا لعدة قرون. إنها مثل الوحوش التي تسيطر على عقولنا، وبالتالي يكون لها تأثير مباشر على العلاقات في ما بيننا ومع مؤسساتنا، رغم كل البرامج الحكومية والحزبية. ونتيجة لذلك، نعيش اليوم اصطداما غير مسبوق في تاريخنا بين شتى أنواع الجهل. إنه مرض انفصام الشخصية المزمن، حصيلة انتماء مزدوج لعالمين اثنين، الأول احتضر منذ قرون خلت والثاني عالم جديد يرفسه الوعي الجمعي الأحادي والعنصري بالأساس، تم تشكيله بالقرون الأولى الهجرية وهو فقهي محض. أما غايتنا فتكمن في إسلام أصيل وليس أصوليا، ومن هنا الأصالة، لكي نثبت ولوجنا لعالم جد متطور وبجذورنا، «كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء».
الأحزاب المتأسلمة تبذل كل ما في وسعها لإبقائنا في جهل جماعي وفي عالم يقوده الأموات، أدبياتهم تكرس ذلك «الخير في السلف والشر في الخلف». هذه هي عقيدتهم وتتيح لهم إعادة إنتاج مجتمع جامد غير متطور لا يستطيع أن ينتج المعرفة ويصوت دائما من منطلق الخوف والعاطفة. وهذا هو حال مجتمعنا اليوم. في خلاصة يقولون إن «المستقبل مجهول، صوّتوا لأجلنا، سنحميكم من المجهول». - ما هو مخططكم لإنجاح الحداثة؟
نحن لسنا في مجال المسؤولية، لكننا نريد أن نقرب مواقفنا وأفكارنا للناس في ما يتعلق بالمشاريع الكبرى في بلادنا. نريد أن تكون قضايا المرأة والتعليم في صلب مشروعنا السياسي. فالمرأة المغربية مهمشة نتيجة فكر نمطي سائد انتشر بشكل كبير في الفضاء العام. نريد تفكيك كل تلك «الكليشيهات» الظلامية التي ما زالت تدرس لأطفالنا في المدارس وكذا في بعض الكليات، والتي تم نقلها في السنوات الأخيرة من قبل كبار السياسيين. هذه الخطابات والتعاليم تقود إلى الكراهية والعنف ضد المرأة، وهو خطاب يتعارض مع الإسلام الأصيل والقرآن والسنة الحقيقية، وتداول هذا الخطاب في السنوات الأخيرة في الفضاءات العامة وغالبًا من قبل كبار السياسيين، أمر لم يعد مقبولا.. حيث يهينون المرأة المغربية طوال الوقت، فهي متاع وعورة وناقصة عقل، وأحيانا «ثرية»، بل حتى مشاركتها في اتخاذ القرارات السياسية تعتبر ويلا. ونحن نريد أن نقول عكس ذلك، أي أننا نطمح إلى أن تصبح المرأة على قدر المساواة مع الرجل في الحقوق والمسؤوليات. فنريد أن نلغي التعصيب، وهو ابتداع سياسي ما أنزل الله به من سلطان، يعمل على تمزيق عائلات بأكملها بحرمان مئات الآلاف من النساء من حقهن الإلهي والأرضي. وهدفنا إنهاء هذا الأمر بشكل كلي، إنها سرقة تحت غطاء المقدس. - قلتم إن الحكومة هي المسؤولة عن الوضع المتردي للمرأة داخل المجتمع..
هل تتذكر السخط العارم الذي أحاط بواقعة نزع برلمانية مغربية لزيها بالديار الفرنسية؟ المشكل لا يكمن في انتمائها السياسي في كل الأحوال، فهي تظل امرأة مغربية تنعم بكامل حقوقها. وتمت معاقبة هذه المرأة من قبل حزبها بطلب من الحركة الدعوية المنسوبة للحزب المذكور، وعانت من ظلم غير مسبوق. ومن جانبنا نساندها بصرف النظر عن الحزب الذي تنتمي إليه والذي نعارضه. الواقعة من الواضح أنها تتعلق بالرأي العام، وفي هذه الحالة سيدفع أطفالنا ثمناً غالياً للصمت السياسي، ليس من حيث ارتداء الزي أو إزالته، ولكن من جانب تعامل الحكومة والأحزاب مع هذه القضية. ما هي الرسالة التي يريد أن يوصلها حراس المعبد إلى النساء المغربيات اللائي لا يرتدين الزي؟ الجواب واضح بالنسبة لهم، فإن هؤلاء النساء عاريات ومنحرفات وهذا لا يعتبر إلا ترخيصا للمجتمع بمطاردتهن وإقصائهن والتحرش بهن وكأننا في عصر مطاردة الساحرات. هذا الانقسام في المجتمع المغربي، الذي تحافظ عليه الظلامية والذي أولويته مهاجمة النساء، علامة خطيرة للغاية تهدد مستقبل البلاد. ندين هذا العمل الهمجي ولا يجب أن تشعر أي امرأة مغربية بأنها ضحية محاكمة صادرة تحت ذريعة نزعها أو وضعها للزي. - هل تابعت الخطابات الأخيرة لرئيس الحكومة؟ ما رأيك حول حصيلة نصف الولاية أو أكثر من عمل حكومة العثماني؟
نعم، لقد تابعت الخطابات التي ألقاها السيد رئيس الحكومة في الغرفة الأولى وفي وسائل الإعلام، وأعبر عن أسفي واستغرابي، لأنه لم يتحدث ولو بكلمة واحدة عن مغرب الغد، ومكانته المستقبلية في عالم أضحت فيه المعرفة والعلم والذكاء الاصطناعي والحروب بالبيانات وطائرات الدرون… كما أصبح صمته مثيرا حول الأطفال الذين يعانون من وضع غير مستقر في بلدنا، والذين لا يزالون محرومين من حقوقهم الأساسية والعالمية في الصحة والتمدرس، فما بالكم بموضوع التبني. فالمغرب لديه 800 ألف من الأزواج الذين لا يستطيعون الإنجاب. التبني «adoption « هو أحد أفضل الحلول للتقليص من مشكلة أطفال الشوارع التي هي واحدة من أبرز ظواهر الهشاشة الاجتماعية، نود أن نعطي التبني زخماً جديداً بكل ما فيه من آثار تحديد النسب وانتقال الثروة. كما لم يشر رئيس الحكومة إلى السعادة، لأننا نعتقد أن دور الحكومة هو تحقيق الأمن والسعادة للمواطنين. فماذا حققت هذه الحكومة من باب إسعاد الناس، وهل هذا هو الطابع الذي تمنحه للدور الواجب عليها القيام به؟ أقول إنه ليست مهمة الحكومة أن تأخذنا إلى الجنة أو الجحيم كما يزعمون عبر خطابهم الدعوي اليومي، ولكن أن تمنحنا الأمن الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي في الدنيا. - وما موقفكم من لجنة النموذج التنموي؟
بمجرد تعيين أعضاء لجنة بنموسى، خرج الحزب الحاكم باتهاماته شبه التكفيرية، وذلك قصد سحب الشرعية الدينية من كل التوصيات المقبلة لهاته الهيئة، وأهم شيء تنبيهها على أن لا تخوض في أي اجتهاد قد يفتح آفاقا للفكر والفلسفة وقراءة جديدة في المفاهيم الدينية والفقهية تمكننا من خرق السماء والأرض والأجسام الحية نحو المعرفة والعلم ونحن نحمل هذا الكتاب، كما لو أن الجهل من الثوابت. كون لجنة بنموسى تتمثل في عدد من المثقفين مؤشر جد إيجابي، وهذه فرصة لنا كأحزاب أن نستفيد من أطروحة قد تلد لنا فلسفة إصلاحية وأدوات جديدة تؤهلنا إلى تقاطبات سياسية حقيقية تخاطب وتؤطر الجميع عبر نقاشات سلمية وبناءة بدون إقصاء أو تحريض على العنف. هذه المهمة صعبة ولكن إذا تم إهمال البعد الفلسفي والأدواتي من طرف لجنة بنموسى، فسوف تكون مدرسة الحزب الحاكم هي المنتصرة مرة أخرى «بأساليبها التخويفية» المعروفة بالعنف الرمزي. أنا متفائل وأظن أن بناء مغرب الغد يستوجب أسسا قيمية وحضارية تتم بلورتها من طرف مناضلين وأحزاب لها رؤية وجرأة سياسية لا تتراجع ولا تستسلم أمام الأحادية والإيديولوجية الرجعية. فأكاد أقول إن المفاهيم والأدوات هي أهم ما يجب أن تتدبره لجنة بنموسى وليس الاقتصاديات- économétrie ولا القطاعات ولا البنيات التحتية. - عرفت الآونة الأخيرة عودة الجدل حول القانون الجنائي بعد أربع سنوات من «البلوكاج» والمشاورات حول تعديلات بنوده. ما رأيكم في تعاطي الأغلبية مع التعديلات المقترحة؟
من المآخذ المسجلة أن القانون كما تم الإعداد له لم يستجب لمعاناة المغاربة في ممارساتهم لحريات التعبير والصحافة، مقابل سحب العقوبات الحبسية للثراء غير المشروع للمسؤولين عن إدارة الأموال العامة والمنتخبين، وهذا نوع من أنواع العبث وتأويل فريد لمحاربة الفساد. كنا نتمنى إلغاء عقوبات الحبس والغرامة التي تطبق في حق الذين يفطرون علنا في رمضان. ونحن مقبلون بعد ثلاثة أشهر على هذا الشهر الكريم، نقول إنه لا يحق للمجتمع أن يطالب بالخلط بين الدين والسلطة. فالصيام شعيرة، إذا فرضت من طرف السلطة في الأماكن العامة، فعليها أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة للصلاة، أي أن تفرض ذلك أيضًا خمس مرات في اليوم، وبالتالي يجري اعتقال ومحاكمة أي شخص يتواجد خارج المسجد في الأماكن العامة وقت الصلاة، لأنها والصيام من شعائر الإسلام، فكيف للسلطة أن تزجر المفطر علنا في رمضان وتتغاضى عن تارك الصلاة علنا؟ كما أن حجة عدم احترام الصائم للفضاء العام غير مقبولة، لسبب بسيط هو أن هؤلاء الصائمين لا يشعرون بالحرج عندما يتناول الأطفال الطعام في الأماكن العامة، ولكن فقط عندما يتعلق الأمر بالبالغين. هذا يدل فقط على إرادة إكراه الناس على شعائر الدين. فالقرآن لا يسمح للسلطة بالتدخل في الشعائر، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتدخل في من يريد الإفطار علنا. أما في ما يخص حرية المعتقد، فلا يوجد إسلام بدون حرية الاختيار. رفع الإكراه عن الناس هو التعريف الحقيقي للجهاد ونريد أن نجاهد في هذا الاتجاه. فرض الإيمان بالإكراه ليس من الدين في شيء. فالقرآن الكريم يرفض الإكراه كشرط من أجل الإيمان، «فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله..» وهو مطلبنا أيضا، وهذا هو الإسلام الأصيل الذي نعتز به والمخالف للأصولية، إنه إسلام الله الذي لا يخجلنا أمام أطفالنا وأمام العالم. اليوم أطفالنا يتواصلون مع العالم، أصبحت الأرض قرية صغيرة، فكيف يمكن لنا أن نستمر في التناقضات وكيف يمكننا أن نتحدث مع أطفالنا عن حوار الأديان ليلة قدوم البابا وفي الصباح ندرسهم حكم المرتد وحكم تارك الصلاة وكيفية مضايقة غير المسلمين في الطرقات؟ فلنلق نظرة على ما تحويه الكتب المعتبرة في الكليات والمكتبات وحتى في المعارض، من حقد وكراهية وعنف، ودورنا كسياسيين هو وضع شيوخنا وأئمتنا أمام تناقضاتهم حتى يتمكنوا من تحمل مسؤولياتهم. لا نريد أن نحل محلهم ولكننا مسلمون بما يكفي حتى نفرق على الأقل بين الدين والهراء. - كيف تقيمون الحصيلة الاجتماعية والاقتصادية للحكومة؟ وما رأيكم في القانون الإطار للتعليم؟
إنها طائفة من رجال الدين تقرر مستقبل أطفالنا، حاولت بكل أظافرها أن تمنع لجنة برلمانية بأكملها من إدخال اللغات الأجنبية في تدريس المواد العلمية، فأكيد أن البعض يعتبرها ضارة على المدى الطويل على المستوى الانتخابوي. بالطبع، ليس هذا ما يقولون، فهم يرددون أنه هجوم على اللغة العربية، وبالتالي على القرآن. هل يعلمون، على الأقل، أن معظم المسلمين في العالم لا يتحدثون اللغة العربية، وأن القرآن موجه للبشرية جمعاء، وأنه لو أن القرآن نزل ببلاد الصين لكان بلسان صيني؟ يجب على حزبنا أن يتصدى لهذه العنصرية المعادية للغرب، فالشباب يعتقدون أن الفرنسية لغة الكفار ويجهرون بذلك، فكيف نتجاهل كل هذا ونختزل النضال السياسي في معدل النمو أو الاستثمار الخارجي المباشر أو التشغيل؟ أين حب الوطن وأين حب المستقبل لأبناء الوطن؟ تلك العقليات لن تنتج المعرفة ولن تبدع وهي سائدة في مجتمعنا بشكل مفزع. فعن أي نموذج تنموي سنتحدث؟ فالحصيلة الاجتماعية كارثية من كل جانب ولم تزد مجتمعنا إلا عنفا على عنف. فالثقافة تم تقزيمها بكل المعايير وحتى على المستوى المعنوي، أحيلك على الحالة النفسية لفناني المسرح والموسيقى والسينما والرقص والنحت، الذين يؤاخذون على الحزب الحاكم محاربة الثقافة لأسباب إيديولوجية، حيث يعلم الجميع مدى دور الثقافة في التصدي للعقول المتحجرة وتحرير الطاقات والانفتاح على العالم وتقليص العنف ضد مخالف الرأي والمرأة والأقليات. أحيلكم على آخر المستجدات في مواقع التواصل الاجتماعي حول الفنانات والفنانين، تلك المواقع كالإنستغرام وسناب شات التي أصبحت منصة لإطلاق صواريخ التشهير والكراهية والعنف والابتزاز، والحكومة في خبر كان. - هل تدافع عن الدولة المدنية؟
نحن مع الدولة المدنية. نريد الفصل التام بين الدين والسلطة. أنا دقيق في كلامي، أنا لست مع الفصل بين الدين والمجتمع، لسبب بسيط هو أنه يستحيل فعل ذلك. بل إن المجتمع يحتاج إلى قيم لعقده الاجتماعي. يجب أن تكون هذه القيم عالمية، فهي إسلامية على وجه التحديد، ومن ثم عالميتها. الإسلام عالمي في ما يتعلق بقيم المجتمع، وهذا أمر يتناساه الكثيرون. فالمطالب بأن يكون مسلما هو الفرد وليس المجتمع. نريد أفرادًا متشبثين بقيم الإسلام، وليس مجتمعًا متدينا.
اليوم نعيش في مجتمع متدين بأفراد غير متدينين، أي غير متشبثين بالقيم العالمية للإسلام، فيما العكس هو الصحيح. هذه هي معايير الدولة الحديثة التي أسسها نبينا في المدينة المنورة، وأحيانًا أشعر أن العالم يقتدي به ما عدا نحن. - ما انتظاراتكم من المؤتمر الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة؟
لدي ثلاثة انتظارات من هذا المؤتمر، أولا اعتبر أنه ليس بمحطة تنظيمية بحتة، بل يجب أن يكون فرصة مفصلية للقطع مع أساليب الماضي، وتحقيق الانسجام والتناغم مع جميع مناضلات ومناضلي الحزب حول مشروعه السياسي والمجتمعي.
ثانيا تحيين المرجعية الإيديولوجية والسياسية المنبثقة عن الوثائق المذهبية، مع تنزيل أولوياته إلى سياسات قطاعية. ومن هنا آن الأوان لتقييم سياسة التنظيمات الموازية التي أنشأها الحزب في السنوات الماضية، والتي أبانت عن محدودية عطائها وربما قد تواجه الفشل، كما أنني سأقترح أن يطلق الحزب مبادرة بعيدة المدى تسعى إلى تحصين قيم الحداثة والانفتاح والتسامح والتنوير وكذا تنمية العقل النقدي.