بعد زلزال الإعفاءات المرتبطة بتعثر مشاريع تأهيل مدينة الحسيمة، عادت قضية صفقة جرت بين كل من وزارة التربية الوطنية، في عهد الوزير السابق، محمد حصاد، وكاتب الدولة في التكوين المهني، محمد بن الشيخ، إلى الواجهة، بعد مرور ما يقرب من سنتين على تزويد عدد كبير من المؤسسات التعليمية بطاولات وكراس جرى إعدادها في معاهد التكوين المهني في إطار صفقة وصفت بالضخمة. وتبين لعدد من المسؤولين والفاعلين التربويين بأن عيوبا في الجودة واختلالات في معايير التركيب سرعت من وتيرة تصدع هذه التجهيزات.
وفي السياق ذاته، تحدثت المصادر عن أن وزارة التربية الوطنية لم تقم بعد بعملية تقييم هذا التوجه الذي قدم بأنه يرمي إلى “ترشيد” النفقات، و”استغلال” تلاميذ معاهد التكوين المهني لتنفيذ التزامات هذه الصفقة. وتعرض جزء مهم من الطاولات والكراسي للتلف قبل أن يصل إلى الأقسام، فيما تحول جزء آخر بعد سنتين من توزيعه على المؤسسات التعليمية بمختلف مناطق المغرب إلى “متلاشيات”، ما يستدعي إخراجها من الأقسام، ووضعها في “مرائب” المؤسسات التعليمية، قبل تجميعها والإعلان عن بيعها في المزاد العلني. ودعت المصادر إلى الاستعانة بخبرات مكاتب دراسات متخصصة في تقييم هذه العملية التي كلفت ميزانية ضخمة، للتأكد مما إذا كانت النتيجة فعلا تكرس توجه “ترشيد” النفقات، والكشف عن النتائج الإيجابية والسلبية لهذا التوجه، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتصحيح الوضع والقطع مع ما وصفته المصادر بـ”الحلول الترقيعية” التي أضرت بجودة التجهيزات في المؤسسات التعليمية، وأضرت بقطاع مهم من المصانع المتخصصة والتي راكمت تجارب في هذا المجال تعود إلى عدة عقود.
وذكرت المصادر أن هذا التوجه ضرب عرض الحائط معايير سبق أن اعتمدتها وزارة التربية الوطنية لاقتناء الطاولات والكراسي تم اعتمادها في سنة 2001. وتطرقت هذه المعايير لاعتبارات تقنية مرتبطة بالصحة والسلامة والنظافة والبيئة. واعتبرت وثيقة محددة لهذه المعايير تم إعدادها بالتنسيق مع الخبراء والمتدخلين في القطاع أن هذه الإجراءات ليست ترفا، لكنها ضرورية لتحقيق النجاعة في المنظومة التربوية. وانصبت بعض الشروط على الطرق التقنية لإعداد الطاولات والكراسي، وذلك إلى جانب المواد الأساسية المستعملة من خشب وحديد وصباغة، والتي يجب أن تتوفر فيها الجودة اللازمة. وتحدثت الوثيقة عن أن من بين الشروط التي يجب أن تتوفر في المواد الأولية المستعملة أن تكون متوفرة في السوق المغربية، وأن تتوافق مع معايير الجودة المطلوبة وأن تكون مقاومة للرطوبة وتواتر درجات الحرارة وأن تصمد أمام الصدمات وبعض المواد الكيماوية. لكن مقاربة الوزير السابق، محمد حصاد، تجاهلت هذه المعايير. وقضى تلاميذ مؤسسات التكوين المهني أشهرا في أوراش مفتوحة، لكن المشروع واجه التعثر ولم تكن النتيجة في المستوى المطلوب، حيث خرجت فعاليات تربوية لتدق ناقوس الخطر بخصوص جودة المنتوج الذي يفتقد للمواصفات الضرورية، والذي لم يستطع الصمود سنتين فقط على توزيعه.
وكان الوزير السابق، محمد حصاد، فوت لمكتب التكوين المهني الذي كان يسيره العربي بن الشيخ صفقة بالملايير لإنجاز ما يقرب من 350 ألف طاولة للتلاميذ. ولجأ المكتب إلى “خدمات” تلاميذ معاهد التكوين المهني في تخصصات مختلفة. ورخص رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني، بناء على هذه الاتفاقية، للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لإبرام اتفاقيات شراكة مع المديريات الجهوية لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل. كما رخص العثماني للمكتب الوطني للتكوين المهني لإبرام صفقات تفاوضية لاقتناء المعدات والمواد الأولية لإنتاج الأثاث المدرسي المطلوب، في إطار صفقات تفاوضية بدون إشهار. وقالت المصادر إن هذا التوجه ألحق أيضا أضرارا كبيرة بالنسيج الاقتصادي الذي راكم خبرات مهنية في هذا المجال منذ عقود، مما جعله يدخل في مرحلة صعبة تهدده بالإفلاس، وهي الوضعية التي سبق لمسؤولين في نقابة “الباطرونا” أن استعرضوها في لقاءات مع وزير التربية الوطنية الحالي، سعيد أمزازي.