شوف تشوف

الرأي

صعود الليرة التركية

 

 

ياسر أبو هلالة

 

«عندما يتحدث رجب طيب أردوغان، تستمع الليرة التركية بشكل عام، وترتجف وتسقط في الهاوية. لمرة واحدة، حدث شيء مختلف، في مواجهة أزمة من صنعه. اتخذ زعيم تركيا خطوة دراماتيكية لإنقاذ الليرة في 20 دجنبر، بعد لحظات من انخفاض العملة إلى مستوى قياسي جديد. وأعلن أن الحكومة ستضمن الودائع المصرفية بالليرة، وتحميها من تقلبات سعر الصرف. انتعشت الليرة بشكل مذهل في الأخبار، حيث انتقلت من 18.36 إلى 11.11 مقابل الدولار، وهو أكبر ارتفاع لها منذ ما يقرب من أربعة عقود».

هذا ما كتبته مجلة «الإيكونومست»، أعرق المجلات الاقتصادية في العالم، وهو يتوافق مع آمال أكثر المتحمسين للرئيس التركي، وهو ما خيب آمال معارضيه الذين عولوا على سقوطه مع الليرة التركية.

يقول أنصاره إن نهجه الاقتصادي قريب من النموذج الصيني، ومنافس له في بناء أيد عاملة ماهرة رخيصة، والاتجاه إلى قطاع الشباب الذي يشكل رصيدا للمعارضة، من خلال القروض الطلابية ودعم التأهيل المهني، خصوصا أن الفريق الذي يعتمد عليه وزير المالية الجديد، نور الدين نباتي، شاب من الجيل التركي الذي نشأ في الغرب، وتحديدا في أمريكا وفرنسا. والوزير معروف بولائه المطلق لأردوغان، وتنفيذ سياسته المغامرة. تمتد المغامرة خارج تركيا من خلال التركيز على إفريقيا التي تضم المواد الأولية الرخيصة، والاعتماد على السوقين الإيرانية والمصرية.

يدرك ألد أعداء أردوغان صعوبة هزيمته التي تتطلب وحدة المعارضة، وانهيار الليرة. واليوم تبدو الطريق أمامه سالكة في غياب الشرطين. مقابل الناخبين الأتراك الذين يعتمد تصويتهم على وضعهم الاقتصادي، ثمة «الناخبون العرب» الذين يقيمون في منصات التواصل الاجتماعي، وسهر كثيرون منهم ليلة صعود الليرة التركية، ومن تابعهم يظنهم أتراكا أو خبراء في الاقتصاد، وهو ما أعاد إلى الذاكرة ليلة فشل المحاولة الانقلابية على أردوغان.

لا يهم الناخبين العرب وضع الليرة. على العكس، يستفيدون من نزولها في السياحة والتسوق. ما يعنيهم غير ذلك، فالعرب يدركون أن حزب العدالة والتنمية نقل تركيا من حال عداء للعرب، واصطفاف مع خصومهم، إلى حال التحالف معهم. تجلى ذلك منذ اليوم الأول لوصول أردوغان إلى السلطة، عندما رفض، بشكل ذكي، مشاركة بلاده في غزو العراق، أو مرور القوات الغازية من أراضيه.

ويدرك السوريون بالذات أنه على خلاف أحزاب المعارضة، قدم لهم الدعم والمساندة سياسيا وعسكريا وإغاثيا. ولولا مُسَيرَاتُهُ، لسقطت طرابلس بيد خليفة حفتر. وفي الأزمة الخليجية، لم يتردد في الوقوف مع قطر عسكريا وسياسيا. فوق ذلك، أكد بشكل عملي أن الإسلام والديمقرطية ممكن أن يلتقيا. ومن الممكن لحزب يعتمد المرجعية الإسلامية أن يعمل في بيئة علمانية. وهو بالمناسبة يصر في أزمة الليرة على ربط ذلك بالمرجعية الإسلامية التي تحرم الربا. وهو، في النهاية، بمعزل عن الأزمة الأخيرة، نجح لأنه حقق نجاحا اقتصاديا لمسه كل ناخب تركي. ونجاحات أردوغان وانحيازه لنا لا يعنيان أنه لم يرتكب أخطاء، وهي أخطاء قد تكلفه بالديمقراطية مقعده. هذه الأخطاء يراها المواطن التركي، ولعل أبرزها فساد في الطبقة الاقتصادية التي صنعها، أو التي ركبت موجته. وكانت بدايات الأزمة الاقتصادية مرتبطة بصهره والمحسوبين عليه في المصرف المركزي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى