شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

صراع أوكرانيا.. مرحلة جديدة

 

مقالات ذات صلة

 

أحمد مصطفى

مع طغيان أخبار القتال المدمر في السودان، تكاد تتوارى أخبار الحرب في أوكرانيا، على الأقل في وسائل الإعلام العربية. فهل فعلا أصبحت أخبار حرب أوكرانيا من قبيل المعتاد المستمر، بمعنى خبر قصف هنا وتفجير هناك؟ وهل يقترب الصراع في أوكرانيا، إعلاميا تحديدا، من صراعات مماثلة على طريقة «مقتل فلسطيني في الضفة الغربية»، أو «قصف مواقع في سوريا»، أو «اشتباكات في العاصمة الليبية» وهكذا؟

ربما لا تمكن الإجابة بحسم عن كل هذه التساؤلات، لكن ما يبدو واضحا أن الحرب في أوكرانيا التي بدأت قبل أكثر من عام، دخلت طورا جديدا يختلف عن بدايتها العام الماضي. وبغض النظر عن الأنباء المتكررة من استعداد أوكراني لهجوم مضاد لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية وضمتها روسيا إليها، فإن الحرب تحولت فعلا إلى صراع ممتد.

فإذا أخذنا في الاعتبار الأهداف الروسية المعلنة من دخول قواتها إلى أوكرانيا مطلع العام الماضي، فإن هدفها كان السيطرة على مناطق في شرق البلاد أغلب سكانها من الروس، وهذا ما تحقق إلى حد كبير، وإن لم يتم تثبيته مع استمرار القتال والدعم العسكري الغربي لأوكرانيا. ثم إنه لن يستقر إلا بمفاوضات وتسوية سياسية في النهاية.

أما الهدف الاستراتيجي الروسي، وهو إبعاد أي وجود عسكري مباشر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) من على حدودها فلم يتحقق. ولا شك في أن مسألة قواعد الناتو العسكرية على الحدود الروسية، هي بند أساسي في أي مفاوضات تسوية، بعدما تضع الحرب أوزارها.

بالنسبة إلى روسيا، فهي تريد تثبيت الوضع الراهن وربما زيادة المساحة التي تسيطر عليها حتى حين يأتي وقت التفاوض، وتضمن السيطرة على المناطق التي ضمتها إليها. أما بالنسبة إلى أوكرانيا فهي بالطبع تريد استعادة أراضيها كاملة، وإن كان ذلك يبدو طموحا لا يمكن تحقيقه عسكريا وبالتالي يظل مادة مفاوضات في عملية التسوية.

يبقى ما تستهدفه الولايات المتحدة والغرب عموما، وهو يتجاوز كثيرا الحرب في أوكرانيا إلى ما أعلنته إدارة الرئيس جو بايدن الحالية من يومها الأول، وهو وقف صعود الصين وروسيا. وما العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة على موسكو سوى جزء من تلك الاستراتيجية بهدف استنزاف روسيا، ليس كي لا تحقق أهدافها في أوكرانيا فحسب، بل كي تتدهور إلى الحد الذي لا يمكنها فيه المنافسة في عالم «متعدد الأقطاب» كما تريد الصين.

المشكلة الآن أن تلك الاستراتيجية الأمريكية تفقد زخمها، ليس لأن حلفاء واشنطن في أوروبا والغرب عموما لا يتفقون معها تماما، وإنما لعوامل داخلية بالأساس. فإدارة بايدن ستبدأ قريبا الاستعداد للانتخابات الرئاسية العام القادم، والجمهوريون لا يتفقون مع سياسة دعم أوكرانيا بهذا الشكل، وربما حتى لا يقرون ما تقوم به الإدارة الديمقراطية الحالية في السياسة الخارجية إجمالا.

ولا شك في أن الحملات الانتخابية ستركز على هذا الجانب، وسيستغل الجمهوريون نقطة «لماذا ندفع المليارات لكييف، واقتصادنا يحتاج إليها؟». قد لا يختلف الجمهوريون عن الديمقراطيين في الموقف من روسيا والصين وغيرهما، لكن انتقادهم للسياسة الحالية في سياق الدعاية الانتخابية، سيجعل قدرة واشنطن على الاستمرار في الحشد وراء أوكرانيا مستهدفين روسيا أقل.

لا يعني ذلك أن الحرب ستتوقف قريبا، ولا أن روسيا ستستطيع تحقيق أهدافها كاملة، أو أن أوكرانيا ستحقق ما تريد على الأرض. لكن الصراع سيتحول شيئا فشيئا إلى ما وصفه زبيجنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر، وكان بالمناسبة من أصل بولندي، بأنه «صراع ممتد منخفض الحدة».

وربما لأن الطرفين، روسيا والغرب، لم يضعا بوضوح «استراتيجية خروج» قبل بدء الصراع، فإن الصراع المزمن مرشح لأن يكون طويلا. ولأنه بين دول، وليس داخل دولة واحدة، فإن حدته قد لا تكون منخفضة دائما، بل تشهد سخونة أحيانا وحرارة أقل في أحيان أخرى.

لن تكون إدارة بايدن في العام الأخير من فترة رئاسته الأولى فعالة تماما في الوصول إلى تسوية سياسية مع روسيا، ولا حتى الصين. وبالأخذ في الاعتبار التقارير الغربية حول الوضع الروسي، وأن الاقتصاد ما زال متماسكا ويمكن لروسيا الاستمرار في الحرب لمدة عام آخر دون أضرار كارثية عليها داخليا، يفهم أن صراع أوكرانيا لن يحسم قبل نهاية العام القادم. ذلك إذا لم تحدث مفاجآت على الأرض في ساحة المعركة، التي ما زالت حادة ولم تتحول إلى مزمنة تماما بعد.

 

نافذة:

ما يبدو واضحا أن الحرب في أوكرانيا التي بدأت قبل أكثر من عام دخلت طورا جديدا يختلف عن بدايتها العام الماضي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى