صدمات الأسعار
في آخر تقرير له أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي توصية بإحداث صندوق لمواجهة الصدمات الكبرى للأسعار، التي أصبحت تلهب جيوب المغاربة، دون وجود مؤشرات باستقرارها فبالأحرى تراجعها، طبعا لم يكن للمجلس المنصوص عليه دستوريا أن يخصص حيزا من تقاريره لتقديم مقترحات وقائية ضد صدمات الأسعار، لولا أن هاته الأخيرة تفرض التعامل معها خارج الأدوات الكلاسيكية لمواجهة شبح التضخم.
والواقع أن أكبر معضلة تواجه الأسرة المغربية اليوم، هي تداعيات الصدمات المتكررة للأسعار، التي قفزت في المواد الغذائية بمعدل 14.7 في المائة، وتكلفة النقل 12.9 في المائة، وهي معضلة لن تعالج بالتباكي الجماعي والخطاب الشعبوي، أو الاختباء وراء التبريرات الواهية، بل تحتاج إلى بدائل جديدة وفعالة، بعدما وصلت الصيغ المعمول بها منذ عقود إلى مرحلة الإشباع وأصبحت عاجزة عن مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
فلطالما تكفلت ميزانية الدولة بتعويض الفرق بين أسعار تكلفة المواد الأساسية الحقيقية، وبين أسعار استهلاكها عبر صندوق المقاصة، أو الدعم الشامل لبعض السلع خارج ما هو مشمول بالدعم العمومي. لكن يبدو أن آلية دعم المواد الأساسية بالنسبة إلى صندوق المقاصة، انتقلت من أداة مقاومة التضخم وحماية القدرة الشرائية للمواطن، إلى عبء يثقل كاهل الميزانية، دون أن يخفف بشكل كامل عن القدرة الشرائية للأسر الفقيرة.
كما أن التحريك الموسمي للجان مراقبة الأسعار ومحاربة الادخار، أصبح مثل حملات محاربة احتلال الملك العمومي، إذ سرعان ما تعود الأمور إلى سابق عهدها دون أثر يذكر. ناهيك عن أن قائمة الحسابات الخصوصية التي يتضمنها القانون المالي، من مثيل صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية، وصندوق التنمية الطاقية، وصندوق الدعم المقدم لمصالح المنافسة والمراقبة وحماية المستهلك وضبط السوق والمدخرات الاحتياطية، وصندوق دعم أسعار بعض المواد الغذائية وغيرها من الصناديق السوداء.
لذلك وبأخذ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية وإكراهات الأزمة العالمية التي لا يمكن التحكم في عواقبها في الحسبان، لا بد من التفكير الجدي في خيارات جديدة، للتخفيف من صدمات الأسعار على المدى المتوسط والطويل، ويبقى تسريع تنزيل ورش السجل الاجتماعي الذي ما زال يراوح مكانه، بمثابة واحد من الأجوبة الشافية للأزمة التي نعيشها، لأن السجل على الأقل، وفق ما هو معلن من مقاصده وغاياته، هو الضمانة لحماية الطبقات الهشة والضعيفة التي تعد أكبر متضرر من هذا السياق، من خلال دعم مباشر للأسر يتم توجيهه إلى مستحقيه، عوض أن يستفيد منه الجميع كما هو مطبق.