صحافي وروائي وطبيب عسكري وكاتب عام ظل عاشقا للعيون وصديقا للصحراويين
حسن البصري
في صباح يوم 20 فبراير الماضي، شهد أحد أزقة الحي الحسني بالعيون حركة غير عادية، حضر الرسميون وأزاحوا الستار عن لوحة تحمل اسم خوسي بورون ألفونسو، الذي تقرر أن تخلد ذكراه في هذا الزقاق الذي عاش فيه جزءا من حياته حين رمت به الأقدار إلى العيون قبل استرجاعها.
تساءل البعض عن سر تزامن هذا الحدث مع ذكرى 20 فبراير، وتبين أن استحضار هذا الرجل متعدد المهام، يكرس ثقافة الاعتراف ويقطع مع الماضي، لذا حرص مسؤولو العيون على الحضور في هذا الحدث، على اعتبار أن الإسباني خوسي شغل أيضا مهمة كاتب عام سابق لبلدية العيون.
حضر والي جهة العيون الساقية الحمراء مرفوقا برئيس جماعة العيون إلى جانب شخصيات مدنية وأخرى عسكرية، كما حضر التكريم أفراد من أسرة الراحل خوسي الذين عبروا عن فرحتهم وسعادتهم بهذه المبادرة التي لطالما انتظروها اعترافا بـ«شخصية يشهد لها المغاربة قبل الإسبان بالكفاءة والحس المرهف وأدائها المهني الذي تميز بالأمانة والإخلاص والتواضع»، كما جاء في كلمة ألقيت قبل إزاحة الستار عن التذكار، بينما تسللت دموع من عيون أفراد أسرة الراحل الذين حضروا الواقعة.
ولد خوسي يوم 23 فبراير 1927 في مدينة هويسكا الإسبانية، هاجر إلى مدريد حيث عمل في مجال الصحة العسكرية، وفي العاصمة الإسبانية تزوج وأنجب ثلاثة أبناء، قبل أن يتلقى قرارا يقضي بتعيينه في سيدي إفني التي كانت تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، وفي هذه المدينة عمل خوسي في الهيئة الطبية العسكرية.
عاش خوسي في مدينة سيدي إفني فترة طويلة من حياته، وفيها أنجب ابنه فرانسيسكو الذي سيصبح واحدا من أبرز الصحافيين الإسبان، وعاش وهو طفل أحداثا تاريخية، خاصة المعارك الضارية بين القوات الإسبانية ومحاربي قبائل أيت باعمران، ما جعل خوسي يقضي جل أوقاته في الثكنة الطبية، حيث نجا من هجوم عنيف على قاعدة سيدي إفني في خريف 1957، وبعد عام انتهت المعركة بجلاء الإسبان عن منطقة سيدي إفني ما عدا الميناء، واعترافهم بانتهاء احتلالهم لطرفاية. وفي ربيع 1958 تسلم مدير شؤون الصحراء باسم ملك المغرب مدينة طرفاية من الحكم العسكري الإسباني.
انتقل خوسي وأسرته إلى العيون التي كانت في طور النشأة، حيث أسندت له عدة مهام مدنية، بعد أن لاحظ الحاكم العسكري ميولاته الفكرية، وعينه في منصب ملحق ثقافي للمدينة التي كان فيها الحديث عن الثقافة في تلك الفترة ضربا من العبث. لكنه ساهم في تطوير العيون التي أصبحت تتوفر على عدة مرافق اجتماعية، حينها ارتأت السلطات العسكرية تعيين خوسي مسؤولا في مجلس المدينة وكاتبا عاما لها.
خلال مقامه في العيون، انشغل خوسي بالكتابة، وأصدر رفقة عدة فعاليات ثقافية جريدة «أسبوع الصحراء»، التي توقفت عن الصدور عام 1973، فانكب على التأليف وأنجب العديد من الروايات، أشهرها «رسائل مفتوحة إلى صحراوي» و«أطفال الحرب الأهلية» و«العذاب» و«ورقة ألف بسيطاس».
في السادس من شتنبر 2016 توفي صديق الصحراويين خوسي ألفونسو، بعد أن أقام فترة في مصحة «سانتا كاتالينا» بمدريد، إثر مرض في الجهاز التنفسي.