صاروخية الأسعار
على الرغم من تقارير المندوبية السامية للتخطيط، والتنبيه لشبح التضخم الذي يخيم على الأسواق، ودعوات تدخل القطاعات الحكومية لخفض الأسعار الخاصة بالمواد الاستهلاكية، إلا أن أثمان اللحوم الحمراء والأسماك والدجاج وصلت مستويات قياسية خلال الشهور الأخيرة، ولم تسجل أي تراجع كما وعدت الحكومة، باعتبار أن الأمر يخضع لإجراءات اقتصادية أعمق من تحريك اللجان الإقليمية لمراقبة الأسعار والأمر بتعليق اللوائح وتحيينها رغم الإيجابية في الأمر.
لقد غادرت اللحوم البيضاء والحمراء والأسماك قفة شريحة واسعة من المغاربة الذين يعيشون الفقر والهشاشة، وهناك مؤشرات مقلقة على التحاق الطبقات المتوسطة بالكوكبة، حيث الجميع يكتوي بنار الأسعار بالأسواق التي تقدم المنتوجات الاستهلاكية، وعند الاحتجاج من قبل الزبون يتم توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى التضخم والغلاء من المنبع والأسواق المزودة بالمواد الغذائية الأساسية، رغم الانخفاض الطفيف في أسعار المحروقات بالمقارنة مع الفترة السابقة.
معظم العائلات الفقيرة أو تلك التي تعيش وضعية هشاشة، كانت تلجأ مع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء إلى شراء لحوم الدجاج، لكن مع تحليق أثمان الأخير خلال فصل الصيف واستمرار ارتفاع أسعاره، أصبح الجميع يكتفي بالخضر الضرورية والمواد الغذائية الأساسية التي يستحيل الاستغناء عنها، حيث تتضاعف حجم المعاناة مع البطالة وضعف الأجور وغياب العمل المستمر والاعتماد على عقود شغل مؤقتة.
الكل ينتظر مجددا تنزيل وعود انخفاض أسعار اللحوم الحمراء مع الترويج لاستيرادها بكميات كبيرة لتغطية الخصاص المسجل بالسوق الوطنية، لكن كلفة الاستيراد تكون دائمة مرتفعة بالمقارنة مع تشجيع الإنتاج الداخلي والبحث عن تنزيل سياسات عمومية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والتحكم بشكل جيد في الأسعار من المنبع وتتبع الجودة وضمان التموين العادي للأسواق دون ارتباك أو ارتباط بمشاكل وتقلبات الاستيراد الذي إذا ضمن الوفرة فلن يضمن انخفاض الأثمان.
أصبح الكل يجمع على التبعات الكارثية لغلاء أسعار اللحوم والمواد الغذائية الأساسية، على مستوى فشل الأسر الفقيرة وحتى المتوسطة في تدبير الميزانية الشهرية، وما يتبع ذلك من نزيف الاستغناء الاضطراري عن مجموعة من المواد الأساسية بموائد المغاربة، والسبب هو شبح التضخم الذي يتطلب عمل الحكومة وجميع المسؤولين ليل نهار لمعالجته بواسطة إجراءات ملموسة لا مكان فيها للشعبوية أو التأجيل لأنها مرتبطة بالسلم الاجتماعي والاستقرار الذي بدونه لا يتحقق أي شيء.
إن دور كافة الحكومات بالعالم هو مواجهة الأزمات مهما كان نوعها، وفق التدابير الاستباقية ووضع حلول بديلة لكل طارئ والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين بالدرجة الأولى، فضلا عن ضمان التوازن في التموين والأسعار، خارج طرح الإكراهات أو المعيقات لأن ذلك لا يفيد في تخفيض الأثمان ولا ردع المضاربات واستغلال الأزمة، وهاهي جهات تحركت خلال الأسابيع القليلة الماضية للترويج لغلاء حارق في أسعار زيت الزيتون لهذا الموسم وكأننا أمام تحضير مسبق لاختبار قبول المواطن اكتوائه بنار أسعار مادة زيت الزيتون التي لا تكاد تخلو منها مائدة مغربية.