شوف تشوف

شوف تشوف

شي يكوي وشي يبخ

كان مثيرا للانتباه أن يشير وزير الداخلية الفرنسي تلميحا لا توضيحا إلى الدور الذي لعبته مصالح استخبارات دولة غير أوربية في فك لغز تفجيرات باريس.
وقد استنتج الجميع أن الأمر يتعلق بالأجهزة الأمنية المغربية، رغم أن وكالة الأنباء الفرنسية شككت في ذلك، لكن كان سيكون من باب الاعتراف بالجميل أن يسمي وزير الداخلية الفرنسي الدولة التي يقصد باسمها، لا أن يكتفي بذكر اسم المغرب فقط عندما تعلق الأمر بذكر الجنسية الأصلية المغربية لأباعوض العقل المدبر للتفجيرات.
لكن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تدارك الأمر لدى استقباله للملك في «الإليزي»، عندما شكر الملك على الدور الكبير الذي لعبته أجهزة الاستخبارات المغربية في تجنيب فرنسا هجمات جديدة.
ويبدو أن وزير الداخلية الفرنسي لم يستطع أن يهضم كيف أن الرجل الذي أرسل قبل أشهر فرقة أمنية مسلحة لاعتقاله عندما كان في السفارة المغربية، بسبب شكايات حول تعذيب مفترض، هو نفسه الرجل الذي وفر له اليوم معلومات ثمينة مكنت من تصفية العقل المدبر للتفجيرات التي هزت عاصمة فرنسا وأنقذتها بالتالي من عمليات تفجير كان سيقوم بها هذا الصيد الثمين الذي وقع في سان دوني.
وهكذا عوض أن يشيع اسم المغرب في وسائل الإعلام العالمية كمنقذ لفرنسا من المزيد من التفجيرات، نرى كيف أن اسم المغرب يرد مقترنا بالانتحاريين وجنسيتهم المغربية الأصلية.
فالمغرب يتلقى ضربات موجعة على مستوى صورته أمام العالم، ليس في نشرات الأخبار فقط بل على شاشات السينما أيضا.
وقبل أسبوع شاهدت فيلم «MI6 infiltration»، الذي يؤدي فيه نجم سلسلة «لعبة العروش- Kit Harington» دور عميل مخابرات. وفي إحدى لقطات الفيلم، عندما يحقق مدير المخابرات مع العميل لكي يدفعه إلى الاعتراف، يقول له مهددا إن بمستطاعه أن يرسله إلى المغرب لكي يخضع للتعذيب، وكما لو أن هذه التهمة لم تكن كافية فقد أضاف إليها تهمة أخرى بحق المغرب وهي الدعارة، عندما هدد العميل بإمكانية فبركة صور له مع عاهرات مغربيات لتلطيخ سمعته.
إن الأمر لا يتعلق بفيلم تافه تلعب فيه ممثلة تافهة مثل أبيضار دور عاهرة، بل بفيلم عالمي يحقق إيرادات ضخمة ويشاهده عبر العالم مئات الملايين من الناس.
وكل من سيشاهد هذا الفيلم ستترسخ في ذهنه صورة عن المغرب كبلد للدعارة تمارس فيه أجهزته الأمنية التدبير المفوض للتعذيب. وشخصيا لا أعرف ماذا ينتظر وزير الاتصال ووزير الخارجية لكي يحتجا رسميا لدى الجهة التي أنتجت الفيلم من أجل حذف، على الأقل، هذه الحوارات الماسة بكرامة وسيادة المغرب؟
فقد احتج وزير الاتصال على عرض المسلسلات المكسيكية ووصف التلفزيون بالماخور المكسيكي، فلماذا صمت عندما تعلق الأمر بفيلم دولي يتهم المغرب بالتعذيب والدعارة؟
ولعل المتتبع النبيه للقرارات السيادية التي اتخذها المغرب في الفترة الأخيرة، سيفهم أن الدولة عازمة على القطع مع أسلوب التساهل مع من يسيء أو يلطخ وجه المغرب أو يعطي عن البلد صورة «الكوري» الذي يمكن لأي كان أن يدفع بابه ويدخل.
فقد تم إفهام الداعية العريفي، الذي وجهت إليه حركة التوحيد والإصلاح دعوة للقدوم إلى المغرب، بأنه غير مرحب به في المغرب، وتكلف رئيس الحكومة شخصيا بهذه المهمة.
كما تم إلغاء محاضرة لعزمي بشارة، بوق «الجزيرة» وقطر، في إحدى كليات المملكة، ووضعت الإدارة العامة للأمن شكاية ضد لبنى أبيضار بعدما اتهمتها هذه الأخيرة بالتخاذل وعدم تقديم المساعدة لها.
كما تم توقيف مشاريع لشركات سويدية مباشرة بعد موقف السويد العدائي ضد المصالح الاقتصادية المغربية.
نحن إذن إزاء معركة يحاول فيها المغرب أن يتعامل بالمثل مع كل من يحاول أن يمس بصورته أو مصالحه. وهذه طبعا حرب مشروعة ومطلوبة في هذه الأزمنة المتوحشة التي تأكل فيها الدول القوية الدول الضعيفة.
وإذا كانت الدولة تتعامل بصرامة مع من يمس بسيادة ومصالح المغرب في الخارج، فإن هناك ضربات تأتي من الداخل، وتكون أكثر خطورة. وآخرها تلك التي صوبتها ممثلة أفلام الخلاعة لبنى أبيضار، بتوجيه من نبيل عيوش، عندما هددت بتلطيخ صورة المغرب في الخارج بمجرد مغادرتها، وقد نفذت وعيدها بالفعل عندما احتضنتها «لوموند» و»باري ماتش» ووكالة الأنباء الفرنسية، وخصصت لها صفحات لكي تحكي عن معاناتها كامرأة حرة في بلد يضطهد النساء الحرائر مثلها.
وقد كان على أبيضار أن تتأمل ما كتبه على صفحته بالفيسبوك الشاذ الفرنسي «كليمون»، الذي تعرض هو وعشيقه للضرب المبرح لدى خروجهما من علبة ليلية في مونبوليي على يد جماعة من الفرنسيين المتطرفين فقط لكونهما مثليين.
إنه لم يكتب بأنه سيغادر فرنسا لكي يطلب اللجوء السياسي في السويد وإنه سيشوه سمعة فرنسا بسبب الاعتداءات المتكررة على المثليين في الفضاء العام، بل إنه كتب متحديا العصابة التي اعتدت عليه وعلى صديقه بأنهم لن ينجحوا في نزع ابتسامته وأنه سيستمر في حب صديقه، وأنه كان عليهم أن يضربوه أكثر لكي يفهموا أنه لن يصاب بالخوف منهم.
هذا يحدث في فرنسا التي لجأت إليها أبيضار خوفا على حريتها الفردية.
الواقع أن الخطأ ليس خطأ لبنى، فهي مجرد أداة ومستواها جد بسيط، الخطأ خطأ عيوش الذي يستعملها لتشويه سمعة المغرب أمام العالم، لكي يخرج والده نور الدين عيوش ويطالب في ندوة من ندوات «ميدايز» بإنشاء وكالة لتحسين صورة المغرب.
لقد كان أحسن وصف أطلقه رئيس الحكومة في حق نور الدين عيوش هو «التاجر». فهذا الشخص الذي يدعي صداقة الملك بمناسبة وغير مناسبة، يترصد كل القضايا لكي يتاجر بها ويحولها إلى ميزانيات وصفقات. من اللغة في التعليم، إلى الحريات الفردية، إلى القضايا الكبرى، كل شيء عنده بضاعة يجب أن يقوم بتزويقها وبيعها.
ويبدو أننا اليوم بعد دعوة عيوش الأب لإنشاء وكالة لتحسين صورة المغرب، نفهم أكثر دواعي إنتاج فيلم «الزين اللي فيك» وخرجة بطلته لبنى أبيضار بتلك الطريقة وهي تهدد بتشويه المغرب أمام العالم.
فالخطة كانت هي تشويه صورة المغرب أمام العالم، وهذا ما قامت به لبنى أبيضار، لكي يأتي التاجر نور الدين عيوش الأب ويقترح إنشاء وكالة لتحسين هذه الصورة التي لطخها ابنه، ويطلب من الدولة تخصيص ميزانية بالمليارات من أجل أن تتكفل شركته «شمس» للإشهار وفروعها بمهمة تلميع الصورة.
إن ما اقترحه نور الدين عيوش الأب ليس سوى امتداد لما دأب على صناعته منذ عودته الفاشلة إلى المغرب، بعدما عجز عن استكمال دراسته ودخوله وكالة «هافاس» للإشهار في الدار البيضاء كمتعاون يسطو على أفكار الفنانين المبتدئين والمغمورين ويعيد بيعها لمصلحته.
لا يجب بهذا الخصوص أن ننسى أن أول من مهد الطريق أمام حملة التطهير التي خاضها إدريس البصري، كان هو رجل الإشهار المفضل بالنسبة للداخلية، نور الدين عيوش، صاحب وكالة «شمس»، الذي فوّت له البصري صفقة بقيمة 750 مليون سنتيم للدعاية لحملة ضد التهريب في التلفزيون.
والشيء نفسه فعله عيوش مع حملة «الدار البيضاء تتنظم» سنة 1983، بعد أحداث 81 الدامية عندما تم اتخاذ قرار تقسيم الدار البيضاء إلى أربع عمالات، وقد حصل على ميزانية كبيرة لكي يقوم بالإشهار لهذه الخطة عبر وكالة التعمير التي كان يديرها الكاتب الخاص لديوان البصري جمال عبد الناصر، الذي غير له البصري اسمه حتى لا يذكره بالزعيم المصري جمال عبد الناصر.
ثم بعد ذلك جاءت انتخابات 2007، فاقترح عيوش أن ينظم حملة «2007 دابا» لدفع المواطنين إلى المشاركة في الاقتراع، فكانت تلك الانتخابات أسوأ انتخابات في تاريخ المغرب من حيث نسبة المشاركة. والرابح الوحيد في العملية كان هو صاحب «ألفين وسبعة دابا»، التي تحولت إلى «ألفين وشبعة دابا».
هكذا يظهر جليا أن ما يهم تريكة عيوش ليس سمعة المغرب بل مصاريف هذه السمعة تحديدا، ولذلك فهم يوزعون الأدوار بينهم لكي يفوزوا بهذه الصفقات المجزية، مطبقين القاعدة القديمة «شي يكوي وشي يبخ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى