شي يبني وشي يردم
حصدت زيارات الملك والمجهودات الجبارة التي يقوم بها على المستوى الدبلوماسي، دعم غالبية الدول الإفريقية التي أيدت عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وإذا كان الملك يوطن ويوطد قدم المغرب في العمق الإفريقي، فهناك وزراء في حكومة بنكيران وبعض السياسيين يسيرون في الاتجاه المعاكس ويهدمون، أحيانا بسبب الإهمال، ما يبنيه الملك.
وزير الصحة، الحسين الوردي، الذي يوجد ضمن الوفد الملكي بجنوب السودان، خسر ورقة مهمة، بعد عدم حصول المختبر الوطني لمراقبة الأدوية على اعتماد من طرف منظمة الصحة العالمية، وكذلك عدم تجديد الاعتماد الذي منحه الاتحاد الأوربي لهذا المختبر منذ سنة 2007.
والنتيجة هي أن هذا الامتياز الذي كان يستفيد منه المختبر الوطني أصبح حكرا على ثلاثة مختبرات فقط على الصعيد الإفريقي وهي الجزائر وكينيا وجنوب إفريقيا، وهي الدول الثلاث التي صوتت ضد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي.
المختبر الوطني لمراقبة الأدوية يتكلف بمراقبة مدى احترام الأدوية المصنعة بالمغرب للمعايير الدولية في ما يخص الجودة والفعالية، ومنها أدوية موجهة إلى بلدان إفريقية تصنعها مختبرات مغربية، وبفقدان المختبر المغربي لهذا الاعتماد الدولي بقيت فقط مختبرات البلدان الإفريقية الثلاثة المعتمدة من طرف منظمة الصحة العالمية، وفقد المغرب سلطته الدوائية لمواجهة احتكار لوبيات صناعة الدواء العالمية التي تمنع بموجب براءات الاختراع وسياسات الاحتكار ملايين الفقراء في بلدان إفريقيا من حقهم في الحصول على الأدوية وبالخصوص لعلاج الأمراض المستعصية.
وقد بدأت هذه النكسة، التي يتكتم حولها الحسين الوردي، أحسن وزير صحة عرفه المغرب حسب بنكيران، عندما أرسلت منظمة الصحة العالمية لجانا للتفتيش إلى المختبر، بعد حصوله على شهادة تسمى Pré-qualifié من طرف هذه المنظمة الدولية وشهادة الاعتماد من طرف المديرية الأوروبية لجودة الأدوية، لكن وزارة الدكتور الوردي لم تلتزم بمجمل الملاحظات التي أبدتها لجان التفتيش بخصوص مراقبة المختبر للتحاليل والتجارب التي تستلزمها مراقبة الأدوية والمستحضرات الصيدلية ولوازم التضميد وجميع اللوازم الأخرى المعدة لاستعمالها في الطب البشري والبيطري وكذا المنتجات شبه الصيدلية.
كما لم تلتزم الوزارة بالتوصيات الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، والذي دق ناقوس الخطر قبل ثلاث سنوات، عندما سجل أن المدة المتوسطة من أجل أن يعطي المختبر الوطني لمراقبة الأدوية نتيجة تحليل عينات الأدوية موضوع طلب الإذن بالعرض في السوق هو سبعة أشهر، بيد أن هذه الآجال قد تتجاوز في بعض الحالات سنة أو سنتين، مما ينعكس سلبا على آجال منح الإذن بالعرض في السوق، خاصة أن حصة الأدوية التي تم إيداع عينة منها للتحليل تتكون من كميات كبيرة من الأدوية التي قد تنتهي صلاحيتها كما أنها تطرح مشاكل في التخزين لدى المؤسسة الصيدلية الصناعية.
وبالإضافة إلى الوردي الذي “رزانا” بفقدان المختبر الوطني للأدوية لتأشيرة عبور الدواء المغربي إلى الدول الإفريقية، ابتلانا الله بـ”هبيل فاس” الذي أصبح يزايد على الملك في قرار عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، من خلال انسحاب الفريق البرلماني لحزبه من جلسة التصويت على رئيس مجلس النواب، علما أن الملك هو من طالب بنكيران بضرورة تسريع انتخاب رئيس وهياكل المجلس من أجل المصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، كما تحدثت جريدة “العلم” التي تحولت إلى لسان شباط عوض لسان حزب الاستقلال الحقيقي، عن مناطق ظل وتفاصيل في ملف انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي يسكنها الشيطان، وحذرت من التصويت على القانون، ورأت في هذا القانون الذي صادق عليه المجلس الوزاري برئاسة الملك، اعترافا بجمهورية الوهم وحذرت من التفريط في حدود المغرب، متناسية أن القانون الدولي يعطي الدول الحق عند توقيع الاتفاقيات والقوانين في التحفظ على بعض البنود التي تسير عكس مصالحها الوطنية.
ولكي “يجملها ويكملها” نشر خريطة المغرب بدون صحرائه في جريدة العلم التي حولها “البقيقيلي” إلى بوق للدعاية لنفسه ولشباط ولي نعمته.
وبذلك يكون شباط قد أبان عن وجهه الانتهازي، عندما رفع شعار “الأرض المحروقة”، و”إلى كان خصني نموت ما نموتش بوحدي”، ولو تطلب الأمر المزايدة على الملك بالوطنية في قضية جد حساسة.
أما بنكيران ونوابه، ففي ملف عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، فقد اختاروا دفن رؤوسهم في الرمل من خلال التصويت بالورقة البيضاء على رئيس مجلس النواب، فيما هرولوا في اليوم الموالي إلى مكتبه للحصول على نصيبهم من “وزيعة” المناصب داخل أجهزة وهياكل المجلس عملا بقاعدة “مومو زوين وطرافو خايبين”، وفعلا نالوا أربعة مناصب في مكتب المجلس، ورئاسة ثلاث لجان برلمانية دائمة، وهذا دليل على الجبن السياسي، وعدم القدرة على المواجهة بتقديم مرشح منافس عوض رفع الراية البيضاء والاستسلام للأمر الواقع.
وليست هذه المرة الأولى التي يعمد فيه الحزب إلى دس رأسه في الرمال وانقلابه على مواقفه السابقة، فقد رأينا كيف قبل بتحجيم مشاركته في الانتخابات بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت مدينة الدار البيضاء سنة 2003، وكيف صوت على قانون الإرهاب داخل البرلمان، بل أكثر من ذلك اجتهد مصطفى الرميد، في تطعيم فصول إضافية في هذا القانون عندما أصبح وزيرا للعدل، بعدما كان يعارضه في السابق تحت قبة البرلمان وفي المحاكم أثناء مرافعاته دفاعا عن المعتقلين بموجبه.
وحفاظا على كراسي الوزارات، خلال السنوات الخمس التي قضاها حزب العدالة والتنمية في موقع قيادة الحكومة، تراجع عن محاربة الفساد، كما انقلب 360 درجة عن بعض مواقفه التي كان يرفعها عندما كان في المعارضة، ومنها مراجعة اللوائح الانتخابية وإلغاء لوائح إدريس البصري التي كان يصفها الحزب أيام المعارضة باللوائح الفاسدة، كما كان حزب العدالة والتنمية، أيام المعارضة، يطالب بإبعاد وزارة الداخلية عن تدبير ملف الانتخابات وإسناد الإشراف عليها إلى القضاء، وأرشيف البرلمان شاهد على ذلك، لكن بعد وصوله إلى الحكم صوت فريقه البرلماني بمجلس النواب ضد مقترح إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وضد تجديد اللوائح الانتخابية اعتمادا على قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية، واعتماد هذه البطاقة في التصويت، كما قبلت قيادة الحزب قرار تخفيض العتبة إلى 3 في المائة، بعدما ظلت ترفض ذلك، تفاديا لبلقنة المشهد السياسي، في حين أنها كانت تطالب سابقا برفعها إلى 10 في المائة أو على الأقل بالإبقاء عليها في حدود 6 في المائة.
وعندما نرى التحديات الكبرى التي يواجهها المغرب على المستوى الإقليمي والدولي، وكيف يقطع الملك القارة الإفريقية ذهابا وإيابا طولا وعرضا لوضع المغرب في المكان الذي يستحقه بقلب القارة، ونقارن ذلك بالتسابق الصبياني لهؤلاء الزعماء السياسيين على الحقائب والمناصب الحكومية، نشعر فعلا بالشفقة لحال هؤلاء الأقزام الأنانيين الذين لا يرون أبعد من أرنبات أنوفهم، كما نشعر بالخوف من ترك مصير البلد بين أيديهم، لأنهم من أجل مصالحهم الشخصية والعائلية والحزبية مستعدون للتضحية بكل شيء، بما في ذلك استقرار البلد ووحدته وحدوده.