شوارع وأحياء بأسماء أقارب مسؤولين
رئيس مقاطعة يقرر إطلاق اسم والده على شارع رئيسي
في مكاتب رجال السلطة ورؤساء المقاطعات، دورية لوزير الداخلية تحدد مسطرة ومعايير تسمية الساحات والطرق العمومية، والاختصاصات المهمة التي خولها القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، سيما المادة 92 منه، للمجالس الجماعية التي تمارسها عن طريق التداول واتخاذ مقررات بشأنها نظرا لما تحمله من دلالات رمزية، كما تشرح كيفية مصادقة المجالس الجماعية على التسميات التي لا تمثل تشريفا عموميا أو تذكيرا بحدث تاريخي.
تعيد وزارة الداخلية إرسال الدورية وعليها عبارة لـ«التذكير» كلما أثار اسم شارع أو زقاق جدلا لدى الساكنة، كما حصل في تمارة حين أطلق رئيس الجماعة أسماء عدد من رجال الدين ومنهم بعض المتشددين على شوارع المدينة، أو حين اختار رئيس مقاطعة المرينيين بفاس تخليد اسم والده على شارع كان يحمل اسم يوسف ابن تاشفين.
صحيح أن الكثير من رموز حركة المقاومة وشهدائها يستحقون هذا التشريف، إلا أن توقيع القرار يثير غضب المغاربة، خاصة إذا تم إسقاط لوحة كانت تحمل واحدا من صناع التاريخ المغربي.
هذه الظاهرة موجودة في كثير من الدول العربية، إذ دار جدل كبير في الأردن حين تم استبدال اسم شارع الشيخ عبد الله غوشا باسم والد أحد مسؤولي بلدية الزرقاء.
وفي المغرب، ظلت سلطات الحماية، خاصة الفرنسية، وفية لأذنابها ومنحت الأسبقية لمكونات المجال الحضري، من خلال إطلاق مجموعة من أسماء كبار عسكرييها ومهندسيها على بعض الساحات العمومية، بل إن حيا في الدار البيضاء ظل يحمل اسم ضابط فرنسي دموي يدعى بورنازيل قبل أن يتم تغييره قبل سنوات.
ظلت غالبية شوارع الدار البيضاء تحمل أسماء أقطاب الاستعمار الفرنسي، فيما منحت للأزقة أسماء المدن الفرنسية ومعالمها، وكان الفرنسيون المكلفون بالتعمير هم من يقترح الأسماء في غياب أي نقاش حولها على مستوى المجلس البلدي.
كان على المغاربة انتظار سنوات بعد الحصول على الاستقلال لاستبدال الرمزية الفرنسية بالمغربية.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، رصد لظاهرة تخليد أسماء المقربين على الشوارع والأزقة.
رئيس مقاطعة المرينيين يعوض اسم ابن تاشفين باسم والده
أقدم رئيس مجلس مقاطعة المرينيين بفاس، والبرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، على تغيير اسم شارع يحمل اسم القائد يوسف بن تاشفين باسم والده، ما دفع وزير الداخلية إلى التدخل لفتح بحث معمق حول واقعة إسقاط اسم زعيم تاريخي وتعويضه باسم والد رئيس المقاطعة. وطالبت الداخلية بترتيب الجزاءات القانونية، ومنها إصدار تعليمات إلى عامل المدينة لتفعيل مسطرة عزل رئيس مقاطعة المرينيين أمام المحكمة الإدارية، إذا اقتضى الأمر ذلك.
وعلى الرغم من انتمائها لحزب الرئيس، فقد بادرت هيئة حقوقية بإدانة هذا التصرف؛ «نود التأكيد أن هذا التصرف فردي ولا يعكس القيم التي نؤمن بها في حزب الأصالة والمعاصرة. لقد بذلنا في الحزب كل الجهود الممكنة للدفاع عن الهوية المغربية وإعلاء قيم تامغرابيت، ونرفض بشدة أن يلصق هذا التصرف بالحزب ككل. نطالب البرلماني المعني بتصحيح هذا الخطأ وتقديم اعتذار رسمي للشعب المغربي. كما نشيد بجهود وزارة الثقافة في إبراز وتثمين رموزنا التاريخية، وندعوها لمواصلة هذه الجهود».
وقالت هيئة حماية المال العام أن قرار البرلماني أحمد حجوبي، رئيس مقاطعة المرينيين بفاس، ومن معه «يشكل انحرافا أخلاقيا يمس بأخلاقيات المرفق العمومي ويؤسس للتمييز وعدم المساواة بين الناس، فضلا عن كونه يكرس الانطباع السائد بكون المرفق العمومي والمؤسسات العمومية ما هي إلا أدوات لخدمة المصالح الخاصة، وهو ما من شأنه أن يساهم في تعميق شيوع الفساد والريع في الحياة العامة».
وأشار المحامي محمد الغلوسي إلى أن الرئيس استعمل «المصلحة» بشكل مطلق، أي أن المشرع لم ينظر إلى المصلحة بمفهومها الضيق كمصلحة مادية مباشرة تدر فائدة على العضو الجماعي، بل إنه ذهب بعيدا وجعل مفهوم المصلحة واسعا يشمل أيضا تلك المصلحة المعنوية».
وخرجت مقاطعة المرينيين بمدينة فاس عن صمتها، بخصوص تغيير اسم شارع بن تاشفين خلال دورة يونيو العادية لمجلس مقاطعة المرينيين المنعقدة يوم الجمعة 07 يونيو 2024. وذكرت المقاطعة، في بيان لها، أن المقاطعة توصلت بطلب من المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بنيابة جهة فاس مكناس، لتسمية الأزقة والشوارع، وهو الطلب الذي توصل به مكتب مقاطعة المرينيين بتاريخ 11 مارس 2024 ومسجل تحت رقم 9662. لقد أحالت علينا المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، لائحة بأسماء عدد من المقاومين، على مكتب مجلس مقاطعة المرينيين من أجل المصادقة عليها في إحدى دورات مجلس المقاطعة وفق المساطر والمقتضيات القانونية المعمول بها».
وأضاف البيان أن «مكتب مجلس مقاطعة المرينيين وفي إطار إعداده لدورة يونيو 2024، أدرج النقطة المتعلقة بإطلاق أسماء بعض رموز الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير على الساحات والأزقة والشوارع، كما وردت صيغتها ضمن جدول أعمال الدورة الأخيرة».
وأكد البيان ذاته أن رئيس مجلس مقاطعة المرينيين أحال نفس النقط على لجنة التعمير التي قامت بدراستها والتصويت عليها بإجماع الحاضرين، قبل انعقاد الدورة، كما أن مجلس المقاطعة وفي دورته العادية لشهر يونيو 2024، ناقش وتدارس نفس النقطة وصادق عليها بالإجماع من طرف كل الفرقاء وضمنهم مستشارو حزب العدالة والتنمية مشكورين عكس ما روج له بلاغ كاتبهم المحلي.
إطلاق اسم والد البرلماني جودار على شارع بسيدي عثمان
في حي البركة، بتراب عمالة سيدي عثمان مولاي رشيد، يحمل شارع بمحاذاة الغابة الخضراء اسم المقاوم محمد بن عبد الله جودار، وهو والد محمد جودار، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري والبرلماني بعمالة ابن امسيك ورئيس مقاطعتها.
وحسب كتاب شهداء الاستقلال، فإن المقاوم جودار قد ولد سنة 1930 بالشياظمة إقليم الصويرة، وشارك في صفوف المقاومة السرية بمدينة الدار البيضاء في التشكيلة التي كانت تحت مسؤولية السيد حسن الشياظمي، ثم بعد ذلك عمل تحت إمرة الأزهاري عبد الرحمن في ابن مسيك ونواحيه، وكان يعرف باسم (جولي)، وقام بعدة عمليات فدائية منها اغتيال حارسين مدنيين كانا يحرسان متجرا لبيع الخمور والتبغ، كما كان مشاركا في لجنة للإسعاف مكونة من أربعة أفراد (إسعاف المقاومين). ألقي عليه القبض بتاريخ 10 مارس 1955م وسجن بالدار البيضاء، حيث تم اغتياله من طرف حراس السجن المدني بتاريخ 21 مارس 1955».
حين توفي المقاوم محمد جودار، كان الابن جنينا في بطن والدته، التي تعهدته بالرعاية في بيت بحي سباتة بالدار البيضاء، وعين أستاذا لمادة الرياضيات بإحدى المؤسسات التعليمية بعمالة ابن امسيك سيدي عثمان، وكان حينها لاعبا لكرة القدم في فرق للأحياء وفريق فتح سباتة، قبل أن يدخل غمار السياسة ويعلن مغادرته للفصل الدراسي.
دخل جودار الابن غمار السياسة حين انضم إلى حزب الاتحاد الدستوري، وعبره خاض الانتخابات الجماعية فأصبح رئيسا لمقاطعة ابن مسيك بعد إعادة التقطيع الانتخابي للمنطقة. كانت هذه التجربة كافية ليعلن جودار القطيعة مع التعليم، ويتفرغ للسياسة التي ستفتح شهيته لمناصب أخرى، حين وضع نصب عينيه المقعد البرلماني، وتأتى له ذلك بعد أن أصبح من صقور الاتحاد الدستوري منذ زمن محمد أبيض، لينتهي به أمينا عاما لحزب «الحصان»، ونائبا لرئيس مجلس النواب، فضلا عن مهام أخرى على مستوى مجلس مدينة الدار البيضاء الذي دخله بالرغم من عدم اصطفاف حزبه ضمن الثالوث الحزبي الحاكم.
لا يجد الرجل حرجا في جمع المناصب، إذ أصبح رئيسا لفتح سباتة لكرة القدم وعبر هذا المنصب أصبح رئيسا لعصبة الدار البيضاء لكرة القدم، ونائبا لرئيس الجامعة الملكية المغربية، ومسؤوليات أخرى أبرزها رئاسة لجنة البنيات التحتية في الجامعة، ومنخرطا في الرجاء البيضاوي لفترة قصيرة.
حين غزا شيوخ الوهابية شوارع وأزقة تمارة
في مدينة تمارة، حصل قبل أربع سنوات مضت شيء مماثل تقريبا لما حصل في فاس، عندما صادق المجلس المحلي لهذه المدينة على تسمية شوارع معينة بأسماء شيوخ وعلماء متطرفين معروفين من المشرق العربي، الشيء الذي أفضى إلى موجة من الانتقادات والاحتجاجات.
طالب نشطاء وبرلمانيون وزارة الداخلية حينها بإزالة اليافطات المعلقة التي تشير إلى أسماء عدد من شوارع مدينة تمارة، وتعويضها بأسماء علماء مغاربة، واعتبروا تلك الأسماء المختارة «دخيلة تتناقض مع قيم وثقافة المغاربة المبنية على التعددية والتسامح»، وهو ما حصل بالفعل إذ تم التراجع عن تلك التسميات المثيرة للجدل.
وتابعت «الأخبار» في حينه تفاصيل جدل أسماء شوارع تمارة، حين كان هذا الموضوع الذي يعود لفترة ولاية موح الرجدالي. مصادر حزبية أكدت أن مكونات المكتب الجماعي المسير، وفي إطار الأغلبية آنذاك، والتي كانت تتكون من حزب العدالة والتنمية، وحزب الاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، اتفقت على تمكين كل هيئة من اقتراح أسماء لأحياء وتجمعات سكنية، ثم تمريرها في مقرر جماعي، وهو ما أدى إلى إطلاق أسماء لبعض رموز السلفية الوهابية، في غفلة من الجميع، مع التأكيد على أنها باقتراح من كتلة رئيس المجلس موح الرجدالي وحزبه وحلفائه ضمن تركيبة المجلس.
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية نجح في غفلة من الجميع، في إطلاق أسماء بعض فقهاء السلفية ودهاقنة الفتوى المتشددة، على أحياء بعينها، دون أن تنتبه السلطات المحلية بباشوية المدينة، التي تملك صلاحية التصديق على الأسماء المقترحة أو الاعتراض عليها ورفضها.
مصدر حزبي أكد أن التوسع العمراني الذي بلغ حد الانفجار بين سنتي 2003 و2009، سمح بهذا الانحراف، بعد ظهور عدة تجمعات سكنية قام المجلس باقتراح أسماء لا تخضع لمعايير تسمية الأزقة والشوارع والساحات العامة، والتي تخضع لتأريخ الذاكرة الوطنية، إضافة إلى الاعتراف والعرفان بالشخصيات الوطنية والمحلية، في مجالات الفكر والثقافة والعلوم، والرياضة والفنون، إضافة إلى ربط الأماكن بأبنائها، سيرا على ما ترسخ في هذا الباب.
وقد خلف تفجر فضيحة الأسماء الغريبة والمثيرة، لبعض دعاة التطرف، وشيوخ البترودولار، محاولات يائسة للدفاع عن هذا الابتذال، من خلال تدوينات لبعض المسؤولين الحزبيين شركاء سابقين للعدالة والتنمية في التسيير، لتبرير هذه الفضيحة، ومحاولة التقليل من وقعها على الساكنة والرأي العام المحلي، حيث انبرى بعض الحزبيين للدفاع عن هذه الفضيحة بدل التبرؤ منها.
وارتباطا بهذه الفضيحة، قامت عمالة الصخيرات تمارة أمام حالة الإحراج الكبير وتجاه الانتقادات الواسعة من طرف المغاربة وساكنة تمارة تحديدا، بعد ترويج هذه الفضيحة ويافطات تتضمن أسماء شيوخ السلفية، أوفدت لجنة خاصة من سلطات الوصاية لتعكف على مراجعة كل المحاضر والمقررات الجماعية التي تتعلق بهذه الفضيحة، من أجل إدراجها في نقط مستعجلة، تتم إحالتها في أقرب وقت ممكن على اللجنة المختصة بالمجلس الجماعي من أجل تغييرها بأسماء جديدة تنهل من التراث والحضارة المغربيين، عوض اعتماد أسماء سلفيين وشيوخ الفتنة. وسبق لعمالة الصخيرات تمارة أن نفذت قرارا مماثلا عندما سارعت في تغيير تسمية زنقة كانت تحمل اسم التركي «كولن» بعد الرجة التي أثارها هذا الأخير سياسيا ودوليا، ودفعت السلطات المغربية إلى إغلاق كل مدارسه بتراب المملكة وحذف كل اليافطات التي كانت تحمل اسمه.
والد حجيرة بديلا لشارع مراكش في وجدة
في عهد عمر احجيرة، نجل النائب البرلماني الأسبق عبد الرحمن حجيرة ورئيس بلدية مدينة وجدة الأسبق. وهو شقيق أحمد توفيق حجيرة، الوزير المسؤول سابقا عن الإسكان والتخطيط العمراني في حكومات جطو وعباس الفاسي.
كان والده عبد الرحمن حجيرة رئيسا سابقا لبلدية وجدة ونائبا برلمانيا ومفتش حزب الاستقلال بها. حين توفي عبد الرحمن دعا حزب الاستقلال إلى تخليد اسمه في المدينة، على اعتبار كونه واحدا من أبطال المقاومة في ربوع الجهة الشرقية والوطن ككل، وفي ليلة تأبينه تجدد مطلب إطلاق اسمه على مجموعة من المرافق العمومية، بل قدم المجلس الجماعي ملتمسا في هذا الشأن «لاستحضار بعض من سجاياه وأعماله الجليلة ونضالاته، سواء تعلق الأمر بانخراطه المبكر في صفوف المقاومة من أجل تحرير البلاد، أو تعلق الأمر بمشاركته الراسخة والايجابية في تأطير المواطنين وتأسيس قواعد الأخوة والتآخي بينهم، وتسيير الشأن المحلي والجهوي إذ كان الفقيد محط تقدير واحترام من خصومه قبل أصدقائه».
مطلب الاستقلاليين بالجهة الشرقية تجاوز هذا المطلب بل طالب بوضع اسمه على رأس شوارع في إقليم الناظور، بركان، تاوريرت، جرادة وفيكيك، وبعض المؤسسات التعليمية خاصة وأن نجله أحمد توفيق حجيرة كان عضوا في اللجنة التنفيذية للحزب ومنسقها بالجهة الشرقية ووزيرا للإسكان والتعمير والتنمية المجالية، وابنه أيضا عمر حجيرة عضو اللجنة المركزية ونائب مدينة وجدة بالبرلمان.
ودعا توفيق حجيرة إلى تأصيل ثقافة الاعتراف لصلة الرحم مع رفاق وأصدقاء المرحوم وبينهم وبين الجيل الحاضر والأجيال القادمة، وأشار إلى حضور الفقيد أشغال إنجاز طريق الوحدة، وثباته أمام ما كان يعتري حرية التعبير والنضال، إذ كانت المرحلة تتسم بالمخاطرة بالحياة والحرية وهي أصعب المراحل.
في فجر الاستقلال، عين عبد الرحمن مفتشا جهويا للحزب وانتخب سنة 1980 عضوا للجنة المركزية لحزب الاستقلال، ومثل الحزب في العديد من المنتديات الوطنية والدولية وشارك في عدد من الحملات الانتخابية، وبوجدة، عمل على توأمة مدينة وجدة بجدة السعودية، أما على صعيد البرلمان فقد تقدم بعدة تدخلات هامة في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وانتخب سنة 1997 رئيسا للمجلس البلدي لجماعة سيدي زيان وخلالها ربط الاتصال والصداقة مع بلدية مولمبيك البلجيكية، كما وطد أواصر الصداقة مع عدد من المدن العربية والدولية.
حاكم وادي زم يطلق اسم والده على شارع رئيسي بالمدينة
في مدينة وادي زم يصادفك زقاق يحمل اسم القاضي الشنقيطي، كما يعرف الوادزميون القدامى رياضا يحمل نفس الاسم، وفي تارودانت يوجد ممر يؤرخ لعبور هذا الرجل من حاضرة سوس العتيقة لكن بصفته باشا يحكم المدينة.
في العدد 4877 من جريدة السعادة يوم 15 فبراير سنة 1940، نتوقف عند ورقة تعريفية بهذا الرجل وتحمل توقيعه:
«ولدت في بلاد شنقيط لأحدى عشرة خلت من جمادى الأولى من عام ألف وثلاثمائة وأحد عشر هجرية، الموافق 1892م، وتعلمت مبادئ اللغة والإعراب والصرف والسيرة والتاريخ على أخوالي محمد محمود بن البيضاوي دفين أكردوس، وإخوته السيد محمد والسيد أحمد دفيني بقيع الفرقد في المدينة المنورة، والطالب محمد شهيد انميلان، وهو موضع في بلاد شنقيط، وأمي خديجة بنت البيضاوي دفينة المقبرة السهيلية بمراكش، وجدتي لالة فاطمة بنت الطالب أحمد دفينة السمارة بالساقية الحمراء. وطني الحقيقي هو بلاد الإسلام جمعاء ونسبنا هو العلم، فقد وجدنا في الإسلام حيثما توجهنا وأينما حللنا وطنا رحبا».
قضى الشنقيطي فترة في وادي زم، حين عين قاضيا على المنطقة في نهاية العشرينات، واشتهر أكثر حين قام بالتوسط للإفراج على دانيال زوبياغا، الذي كان مختطفا لدى إحدى القبائل الأمازيغية في الأطلس المتوسط لما يقارب السنتين، حيث طلب مساعدة أحد بني عمومته، الشيخ الشريف سيدي علي، الفقيه المشهور وأخ المقاوم الكبير أحمد الهيبة ماء العينين في الجنوب، الذي قدم خصيصا من موريتانيا لوادي زم وأقنع «بن خلوق» بالإفراج على رجل أوروبي بدون فدية، وكان هذا العمل «الديبلوماسي» محل تقدير من السلطات الفرنسية. علما أن القاضي قد اهتم بتقوية صلاته وثقافته الغربية، حتى أصبح من أهم عشاق الأدب الفرنسي، ومن أحسن عارفيه والناطقين به ما سهل مهامه مع سلطات الحماية.
بالعودة إلى قضية الإفراج عن الفرنسي دانيال الذي كان مختطفا في نهاية العشرينات من القرن الماضي من طرف بوزكري بن خلوق الملقب بـ «بزيكر» الذي صنفته الكتابات الكولونيالية في خانة قطاع الطرق على مستوى منطقة تادلة، وحين سقط الشاب دانيال بين يديه تحول إلى أسير علما أن هذا الأخير كان من خدام الاستعمار الفرنسي في وادي زم.
في كتاب «أسير في بلد الشلوح» الذي قام الدكتور صالح شكاك بتعريبه والتعليق على مضامينه، رصد لعملية اختطاف زوبياغا ووضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة عامين، إلى حين إطلاق سراحه يوم 13 يوليوز 1930، بفضل جهود القاضي الشنقيطي، دون تقديم إتاوة لخلوق. بالرغم من ملاحظات جوهرية للباحث في قضية الأسر. علما أن اختطاف دانيال قد أريق حول جوانبه الدم، خاصة وأنه شهد مقتل المراقب المدني الفرنسي روني روزيو وسائق المختطف ألفونس سانز.
عين الشنقيطي في بداية الأربعينات باشا على مدينة تارودانت وتوفي هناك.
ليوطي يطلق اسم فنانة معجب بها على زقاق بالبيضاء
يتفرع عن شارع بوردو بوسط الدار البيضاء زقاق يفضي إلى المدينة القديمة يحمل اسم سارة بيرنار، يعبر المارة دون أن يعيروا اهتماما لهذا الاسم الذي كادت ملامحه أن تختفي، لكن أبناء شارع بوردو القدامي يعرفون سر وجود الزقاق بمحاذاة سينما فيردان التي فتحت أبوابها عام 1950 قبل أن تغلقها في بداية التسعينات، ويؤكدون أن سارة ترددت على هذا الحي الذي كانت تقطنه أسر يهودية في القرن الماضي.
سارة ليست مجرد ممثلة ذات أصول يهودية وتربطها علاقة بالمغرب من حيث الأم، بل هي أشهر ممثلات المسرح الفرنسي في مسيرته التاريخية كلها، لذا وضع اسمها على أعرق مسرح في باريس، قبل أن يتم استبداله باسم آخر «مسرح الأمم»، كما حمل شارع في الجزائر اسمها قبل أن يستبدل بفنان آخر. هذا قدرها أن تظهر وتختفي ألا تستقر على حال، بنفس إيقاع حياتها، لكن يكفيها فخرا أنها كرمت في هوليوود بوضع نجمة لها في ممر المشاهير.
تداخلت في حياتها الوقائع بين الحقيقة والأساطير، بدءا بنشأتها حيث ظلت هوية والدها الحقيقي مجهولة ولم تفصح عن أصولها. أما والدتها فقد كانت من أصل إيرلندي وكانت شديدة التعلق بها. كما كانت شديدة التعلق بابنها موريس الذي حرصت على تربيته على الطريقة الارستقراطية على غرار أبيه الأمير البلجيكي. كانت هوايتها إلى جانب التمثيل ممارسة لعبة الزواج والطلاق.
ولدت في باريس يوم 23 أكتوبر 1844. في سن الثالثة عشر دخلت معهد باريس للفنون. اعتبرت من أشهر ممثلات الرومانسية والتراجيديا والدراما في زمنها بأوروبا والولايات المتحدة، وتألقت بشكل ملفت في السينما الصامتة عند بدايتها.
ترددت على المغرب بدعوة من إنياس زوجة المقيم العام الفرنسي ليوطي، في بداية العشرينات، واستغلت الفرصة لقضاء أيام في الدار البيضاء عند بعض رجال الأعمال من اليهود المغاربة، لذا شاءت الصدف أن يكون الزقاق الحامل لاسمها بمقربة من مقر الطائفة اليهودية بالدار البيضاء. تقول بعض الكتابات في موقع «دفينا» أن سارة حلت بالدار البيضاء قادمة من الجزائر، كما توقفت في مدينة طنجة التي سحرتها.
خصص الناقد الفني الأمريكي «روبرت غوتليب» كتابه الأخير لسيرة حياة سارة تحت عنوان «سيرة حياة سارة بيرنار»، حيث قال: «سارة برنار لا تزال بعد قرن تقريبا من وفاتها ذات حضور كبير في الأذهان. ذلك أنه قد صيغت لها صورة امرأة ذات شخصية استثنائية وأنها شقت طريقها في الحياة وحصلت منها على ما تريد. رغم نقاط الضعف التي كانت تعاني منها إلا أنها تظل الممثلة الأولى، على صعيد الشهرة العالمية».
عانت في نهاية حياتها من مشاكل صحية عديدة انتهت ببتر ساقها، لكنها أصرت على الصمود والحضور في صالونات الفن بساق خشبية، إلى أن تدهورت حالتها وفارقت الحياة في 26 مارس 1923 ودفنت في مقبرة بير لاشاز أكبر مقابر باريس.
توفيت سارة برنار بين ذراعي ابنها الوحيد موريس، في مشهد أقرب إلى لقطة من مسرحية، وينقل مؤلف سيرتها أن آخر كلماتها قبل وفاتها كانت موجهة للصحافيين الذين كانوا ينتظرون «الحدث». قالت: «لقد عذبوني طيلة حياتي، وسوف أعذبهم الآن».
لويس جانتي.. المهندس الذي أطلق اسمه على مدينة اليوسفية
عرفت مدينة اليوسفية لدى العامة باسم «الويجانطي» والحال أن المقصود هو المهندس الفرنسي «لويس جانتي» الذي ارتبط بحاضرة «احمر» وحجز لها في قلبه مكانة خاصة، بين قبائل هذه المنطقة التي وطأت تربتها أقدام عقبة بن نافع الفاتح الكبير لبلاد المغرب.
ولد لويس جانتي عام 1868 في فرنسا، لكنه هاجر رفقة والده صوب الجزائر التي قضى فيها طفولته وشبابه، رغم تنقله نحو فرنسا وتحديدا لجامعة السوربون، التي أنهى فيها تعليمه العالي بشهادة الدكتوراه في هندسة المعادن، ما مكنه من الاشتغال في المناجم التي كان يستغلها المستعمر الفرنسي.
حل لويس بالصويرة عام 1902 في إطار مهمة ظاهرها علمي وباطنها استكشافي، قبل أن ينتقل إلى مراكش حيث كلف بإعداد خريطة جيولوجية للمنطقة، لكنه عاد إلى فرنسا أثناء دخول القوات الاستعمارية إلى وجدة، حيث قرر استكمال دراسته الجامعية وتحول إلى أستاذ في جامعة السوربون.
كان أول من فكر فيه المقيم العام الفرنسي المارشال ليوطي بعد تعيينه مقيما عاما في المغرب، هو لويس جانتي، إذ وجه له دعوة لشغل منصب مستشار علمي، فقبل العرض بشرط الموافقة على مشروع يرمي إلى بناء «المعهد العلمي الشريف» ويختص بإعداد الخرائط الجغرافية لمغرب كان عصيا على الفهم، وبعد ثمان سنوات خرج المشروع إلى الوجود.
انكب لويس على تكوين فريق عمل يسهر على إعداد أبحاث ميدانية في بلد يرفض الحماية الفرنسية، وسارع إلى إدخال مجموعة من الأجهزة التي تساعد على الكشف عن مناجم ظلت لسنوات تشتغل بشكل بدائي، وبفضل جهوده تم استغلال العديد من المناجم خاصة في مجال الفوسفاط، وظل يعيش حياة الترحال بين مناطق المغرب إلى أن توفي عام 1925 بوباء موسمي.
ظل يتردد على مدينة اليوسفية وأقام بين قبائل احمر، لكنه لم يكن وراء اكتشاف الفوسفاط في هذه المدينة التي حملت اسمه، لأن استغلال مناجمها لم يتأت إلا في عام 1931، أي بعد رحيل جانتيي، علما أن فرنسا لازالت تخلد ذكراه بجائزة سنوية تحمل اسمه من طرف أكاديمية العلوم.
في كتاب «حانوت عطار جاء بالأخبار في ذكر أنساب احمر وعبدة ودكالة» لامحمد الحيا، يتوقف المؤلف عند المهندس الجيولوجي لويس جانتي، وإقامته قرب سيدي احمد، وزيارته للمنطقة في رحلته الاستكشافية مرورا بالجبيلات عام 1912.
الغريب المسكوت عنه أن الشارع المسمى باسم جودار هو في الأصل استمرار لشارع الأميرة لالة أسماء الممتد من شارع الحزام الكبير و الذي تم حصره بشارع عقبة ابن نافع