شوف تشوف

الرأيالرئيسية

شهادة الحياة

يونس جنوحي:

مقالات ذات صلة

عندما مررنا جميعا بتجربة الإغلاق الكلي الأولى خلال العام الماضي، كانت بعض المؤسسات سخية مع المغاربة، حيث أتاحت للمغاربة الاستفادة مما لديها بالمجان، مثل المركز السينمائي المغربي، الذي وضع برنامجا مجانيا لمشاهدة بعض الأعمال السينمائية المغربية لفترة محددة.

والمبادرة نفسها قام بها أرشيف المغرب، عندما أتاح للباحثين والدارسين وحتى الفضوليين فرصة الولوج إلى المكتبة لمطالعة بعض محتويات الأرشيف، وهو ما لم يكن متاحا من قبل.

مكتبات وسائطية أخرى أتاحت بعض الخدمات، وبعض المدارس العليا والجامعات استفاقت أخيرا وأدركت أن هناك اختراعا اسمه الإنترنت، وأنها يمكنها استعماله خلال فترات تلقي الطلبات والتسجيل.

وهناك أساتذة تعلموا استعمال تقنيات التواصل عن بعد، بدل سياسة الاجتماعات الحضورية التي تضيع الجهد والوقت، واستبدلوا إعداد الجذاذات وحمل الملفات «الكرطونية» الكئيبة، بالرسائل الإلكترونية.

تخصصات وإدارات مغربية اكتشفت أن بإمكانها استغلال الإنترنت، لمواصلة أنشطتها القديمة والتقليدية بأقل مجهود. بل إن الجامعات والمدارس التقنية والمعاهد اكتشفت أنه بات بالإمكان إجراء الامتحانات عن بُعد، باستعمال برامج متاحة في العالم، منذ أزيد من عشرين سنة، بإمكان المسؤول أن يضع الامتحان في منصة ويمنح الطلبة حق الولوج وإجراء الامتحان، مع ضمان انعدام حالات الغش، وتوفير الشفافية في تصحيح الأوراق وتجنب الأخطاء الكارثية التي يعاني منها الطلبة المغاربة، مثل الغياب وضياع أوراق الامتحان ومحاضر التصحيح وغيرها من الإجراءات التي قطعت معها بعض دول العالم، منذ ثلاثين سنة.

هناك اليوم مسؤولون في الإدارات العمومية المغربية مهمتهم الإشراف على برامج مؤسسات عمومية برؤوس أموال تصل إلى ملايين الدراهم سنويا، ولا يعرفون حتى كيف يُرسلون صورة باستعمال البريد الإلكتروني. ولم يسبق لهم تلقي أي تكوين في أنظمة الحاسوب، وآخر تكوين تلقوه يعود إلى الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان «الداكتيلو»، كما يسميه أغلب المغاربة، هو الموضة التكنولوجية الواعدة.

وهؤلاء المدراء وجدوا أنفسهم خلال أيام الحجر الصحي والإغلاق الكلي، من مارس إلى أواخر ماي من السنة الماضية، مجبرين على تعلم تقنيات استعمال برامج التواصل عن بعد، والشبكات الافتراضية وتقنيات الـ«كلاود»، دون الحاجة إلى فتح الأظرفة والتأشير على الأوراق بـ«الدمغة»، أو جمعها بمسّاك الورق، وانتظار وصولها إلى وجهتها عبر البريد المضمون، وإعداد محضر مصادق عليه بأسماء الحاضرين. كل هذه العمليات أصبحت متجاوزة، حتى في بعض الدول التي ما زالت تعيش مشاكل اقتصادية خانقة في آسيا وجنوب إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ولولا الحجر الصحي لما وجدت هذه الإجراءات طريقا للتنفيذ في المغرب. فقد كان لدينا، ولا نزال، مسؤولون يعادون كل ما هو جديد، ولا يقبلون أبدا سياسة التجديد واستبدال الطرق العتيقة بأخرى تتيحها التكنولوجيا.

تخيلوا أن بعض الإدارات اليوم في المغرب لا تزال متمسكة بسياسة إرسال «القن السري» لحساب الزبون، عبر البريد المضمون إلى عنوان سكنه المدون في البطاقة الوطنية التي انخرط بها لديها، علما أنه بإمكان الإدارات نفسها إرسال كل المعطيات إلى البريد الإلكتروني، في جزء من الثانية.

أما الوكالات الأجنبية التي يتم تفويض تدبير الماء والكهرباء إليها في بعض المدن، فتلك قصة أخرى. إذ رغم أنها تضع بوابات إلكترونية للأداء، لا يزال الناس مُصرين على حمل الفاتورة والوقوف في الطابور، أحيانا لأزيد من ساعتين، داخل وكالات لا تصلح لكي تكون مقرات لتقديم الخدمات، وانتظار أداء قيمة الفاتورة، رغم أن العملية كلها لا تكلف أكثر من دقيقة للأداء الإلكتروني. وفي رواية أخرى، يقال إن أغلب المغاربة لا يثقون في التقنية. كيف تريد للمواطن أن يثق في التقنية، والإدارات العمومية ما زالت تطالبه بشهادة الحياة لكي يحصل على أبسط وثيقة، يمكن أن يستخرجها بنفسه من بوابة إلكترونية في أقل من ثلاثين ثانية؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى