شهادات مجروحة وأسطوانات مشروخة
أحدهم كتب أن الرميد يدفع ثمن الوقوف ضد تمرير مشروع قانون “تكميم الأفواه” 22.20. ويدفع ثمن الضغط لإخراج قانون تجريم الإثراء غير المشروع. وأن ما حدث له يحمل رسالة موجهة إليه، وعبره إلى غيره، تقول “إذا وقفت ضد مصالحنا، سنستعمل ضدك ما لن تتوقع استعماله… حتى الموتى سنستعملهم ضدك لتبلع لسانك مستقبلا”.
وقد ذهب هذا الأخ إلى وصف الرميد بكونه يدافع عن حقوقنا في غرف التشريع وعلى “خطوط النار”، خاتمًا كلامه بمقولة لمحمد مرسي رحمه الله قال فيها: “لا تقتلوا أسود بلادكم فتأكلكم كلاب أعدائكم”.
هذا يعني أنه علينا كصحافة أن نغلق أفواهنا ونتغاضى عن فضيحة عدم تسجيل الرميد لمستخدمته في الضمان الاجتماعي، وعن فضيحة استخراج وثيقة مصادق عليها لتلميع سمعته من المقاطعة يوم عطلة إدارية، حتى يظل الأسد الرميد يزأر في البرلمان مطالبًا البرلمانيين بمده بملفات الفساد صارخا “هاتوا الملفات هاتوا الملفات”، مدافعا عن عرين حقوق الإنسان ضد الضباع التي تتربص به الدوائر… الانتخابية.
البعض يستسهل قضية الوزير مصطفى الرميد وفضيحة عدم تسجيله لمستخدمته في صندوق الضمان الاجتماعي بعدما اشتغلت معه 24 سنةً وتوفيت مؤخرا.
الرميد يقول إن المرحومة اشتغلت عنده 24 سنة وأخوها يؤكد أنها اشتغلت 32 سنة.
إن عمر المرحومة حين الوفاة كان 44 سنة، بمعنى أنها إذا اشتغلت 32 سنة سيكون عمرها عند التشغيل 12 سنة وهذا غير معقول، أما إذا اشتغلت 24 سنة فسيكون عمرها 20 سنة، مما يعني أن الوزير استغلها منذ سن 20 إلى سن 44، ولا شك أن أجرتها لم تصل الحد الأدنى للأجر ولم تحصل على علاوات الأقدمية.
وكل ما يجده هؤلاء الباحثون للوزير عن ظروف التخفيف هو أنه ليس وحده من “نسي” تسجيل مستخدميه في صندوق الضمان الاجتماعي وأن هناك مئات الآلاف من مدراء الشركات والمقاولات يصنعون مثله.
والجواب على هؤلاء المحامين المتمرنين الذين يريدون ممارسة المحاماة دون شهادة هو كالتالي:
أولًا مصطفى الرميد ليس مدير مقاولة أو شركة بل هو وزير دولة، أي الرجل الثاني في الحكومة بعد رئيسها، رغم أننا نعرف أنه رئيسها الفعلي.
ثانيا مصطفى الرميد يتحمل حقيبة حقوق الإنسان، مما يجعله وصيًا رسميًا على حقوق المغاربة ضد كل ما يمس بها، ومكلفا بالترافع عن المغرب في المحافل الدولية كجنيف وغيرها من عواصم العالم حيث تدور المعارك الحقوقية حول قضايانا الوطنية والمصيرية.
ثالثًا مصطفى الرميد محام في الأصل، أي رجل قانون، مما يجعل إخلاله بمقتضياته ظرفا من ظروف التشديد ضده.
رابعا إن من يشهدون للوزير الرميد في هذه النازلة تعتبر شهادتهم مجروحة لأنهم إما أقرباؤه أو لديهم مصلحة معه، كما أن حكاية استهدافه ليست سوى أسطوانة مشروخة يتغنى بها إخوانه في الحزب لتلميع صورته التي تلطخت.
وهؤلاء الذين يستسهلون هذه القضية ويقولون إنه ليس الرميد وحده من فعلها، فإنهم ينسون أن وزارة الشغل، التي يوجد صندوق الضمان الاجتماعي ومفتشوه تحت سلطتها، يتحمل حقيبتها وزير من حزب الرميد وهو أيضا محام ورجل قانون اسمه أمكراز، فما الذي يمنع هذا الوزير، الذي وصفه العثماني بكونه أعجوبة الزمان، من إصدار تعليماته لصندوق الضمان الاجتماعي للقيام بزيارات تفتيشية لكل المؤسسات التي لا تسجل مستخدميها في صندوق الضمان الاجتماعي وتطبيق القانون معها؟ أليس وزير الشغل هو رئيس المجلس الإداري لصندوق الضمان الاجتماعي؟
إن من يحاول تبسيط وتبخيس ملف وزير الدولة في حقوق الإنسان ونزع الأهمية والخطورة عنه بحجة أن ما ارتكبه عمل شائع إنما في الواقع يريد أن يبخس بندا في الدستور ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
قضية مصطفى الرميد ليست شيئًا بسيطًا ولا عاديًا، بل هي قضية تمس جوهر الدستور وسمعة البلد وجديته في القطع مع مغرب ما قبل كورونا.
إنه لمن المخجل أن يستمر هذا الوزير في حمل حقيبة حقوق الإنسان بعدما اكتشف الجميع أنه لم يطبق أبسط حق من حقوق الإنسان في مكتبه.
أما بيان الحقيقة الفضيحة، الذي في الواقع ليس سوى شهادة اعتراف عن ميت، والتي تم استنفار موظفي ملحقة تابعة لمقاطعة بنمسيك يوم عطلة لتوقيعها دون أن تكون هذه المقاطعة متوفرة على نظام مداومة، فهذه لوحدها فضيحة تستوجب فتح تحقيق حول ملابسات إصدارها، لأن هناك دلائل على أن السيد بشر لحسن ليس هو من كتب بيان الحقيقة، للأسباب التالية:
1- أن المعني بالأمر يخاطب نفسه بالسيد بشر لحسن.
2- أنه لم يدون رقم البطاقة الوطنية الذي ترك فارغا.
3- أن بيان الحقيقة يستعمل صيغة الجزم، ويخاطب معالي وزير الدولة بصيغة الأستاذ المصطفى الرميد.
4- أن البيان يؤكد أن المكتب هو للأستاذ المصطفى الرميد بدون انقطاع بسبب المهام الوزارية.
5- أنه يؤكد أمورا تعد من مكنونات صدر الرميد، أو من الحوارات الثنائية بينه وبين المرحومة من قبيل:
– ثقته الكاملة. مسؤولة عن كافة الشؤون… كلفها بإجراءات تسجيل نفسها. أنه مؤخرا، دون تحديد متى، طلب منها مجددا، تسجيل نفسها.
– استعداده لأداء غرامات التأخير وأنها رفضت ذلك.
– رفضت تمكين مكتبه من صورها وبطاقتها الوطنية.
– دفع لها مبلغ 23 مليون دفعته في حسابها قبل مرضها، كما أدى… فكان فضله عليها كثيرا، وأن الأستاذ لا يتحمل أية مسؤولية في عدم تسجيل نفسها.
– نشكره على كل العناية قبل مرضها وخلاله ونرفض رفضا قاطعا كل الاتهامات وندينها ونتبرأ منها.
– التوقيع يوم السبت 20/06/2020 من طرف شخص يخاطب نفسه بالسيد ويظهر، والله أعلم، أنه شبه أمي لا يجيد التوقيع.
أما ملاحظاتنا بشأن بيان الحقيقة الأعجوبة فهي كالتالي:
1- هل من الطبيعي أن يصادق شخص مكلوم عن فقدان ابنته على بيان حقيقة لصالح مشغلها؟
2- هل من الطبيعي أن يخاطب الشخص نفسه بالسيد ويوقع بالسيد؟
3- هل تجوز قانونيا المصادقة على وثيقة تتضمن فراغا في خانة رقم بطاقة التعريف الوطنية؟
4- هل من الطبيعي أن يسعى وزير إلى تبرئة نفسه من أعمال مكتب يفترض أنه لم يعد يسيره منذ 2012؟
5- هل من الطبيعي أن يتحدث أب المرحومة عن المصطفى الرميد كأستاذ وليس كوزير؟
6- كيف يمكن لأب المرحومة أن يقدر حجم الثقة التي يكنها الرميد لكاتبته إن كانت كاملة أو غير ذلك، وكيف يمكنه أن يعرف بأنه طلب منها مجددا، وبأنها رفضت تمكينه من صورها وبطاقة تعريفها؟
7- أن البيان يحاول التستر على أية جهة مشرفة على المكتب غير الرميد وكاتبته التي يعتبرها مسؤولة عن كافة الشؤون الإدارية، والحال أن المكتب يشرف عليه قريبه الأستاذ عبد الغني الإدريسي وقريبته نادية الرميد.
8- أن البيان تضمن تكرار عبارة “تسجيل نفسها” ثلاث مرات، وهو مربط الفرس بالنسبة للرميد.
9- أنه دفع لها نهاية 2019 مبلغ 23 مليونا نقدا.
10- أن دفع الرميد هذا المبلغ نهاية 2019 دليل على استمرار علاقته بالمكتب.
11- التركيز على أن إيداع المبلغ في حسابها قبل المرض، لنفي كل إهمال من جانب الوزير.
12- أداء مصاريف التطبيب بقيمة 67.000 درهم يتعارض مع الزعم بمنحها 230 ألف درهم قبل مرضها.
13- التركيز على أن الرميد لا يتحمل أية مسؤولية.
14- شكر الرميد على كل العناية والتركيز على أفضاله عليها بمثابة تمويه على شخص كاتب البيان.
15- عبارة الاتهامات والتبرؤ منها لا تصدر إلا من ممارس لمهنة قانونية، خاصة إذا كان يشعر بنفسه موضع اتهام ويبحث عن البراءة.
16- عبارة الإدانة عبر بيان حقيقة لا تصدر إلا عن ممارس للسياسة، يجد نفسه في ورطة سياسية.
والله أعلم.